عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

ثروات مهدرة بالسكة الحديد والمسئولون "مش هنا".. مواطنون: عبث وإهدار لأموالنا ولا بد من محاسبة القائمين عليها.. خبراء: ليس هناك صعوبة في الاستفادة منها في أغراض أخرى

أطنان الحديد المهدر
أطنان الحديد المهدر

مرت السكك الحديدية بمصر منذ بداية ميلادها الحقيقي عام 1814 بعدد من المحطات التي تمت فيها عمليات تطوير لتصل إلى ما هي عليه الآن، إلا أنه خلال تلك الفترات كانت الأوضاع الاقتصادية لمصر تتمتع بالازدهار، وهو ما أدى إلى فيض كميات غزيرة من الحديد في كل مكان على خطوطها.

تركها من قاموا بإنشائها وتطويرها منذ عقود مضت هدية لمن يأتي بعدهم لاستغلالها والانتفاع بها إذا أرادوا ذلك، فتوالت الحكومات واحدة تتبعها أخرى دون النظر إليها؛ على الرغم من أن معظمها كان في حاجة ماسة لمثل هذه الثروات المدفونة المقدمة على طبق من ذهب، ولكنه قد يكون من حسن حظ الحكومة الحالية ذلك، فتقوم باستغلالها وعدم تركها لمن يأتي بعدها، إلا أننا لم نلاحظ تحركها هي الأخرى نحوها؛ الأمر الذي يثير تسائلا: لماذا لم تحاول كل هذه الحكومات توظيفها؟ وهل هناك صعوبة في ذلك؟ أم أنه تقصير من أصحاب الشأن؟.

ثروة حقيقية مهدرة وقطارات متهالكة بالجملة ليس لها فائدة، إلا أنها تأخذ حيزًا واسعًا يمكن الانتفاع منه في تشغيل خطوط إضافية تخفف على المواطنين من زحام القطارات، وبدلا من الاستفادة منها والحفاظ عليها من قبل الدولة تتركها للطامعين يسرقون منها ما لذ وطاب وقليلا ما يتم القبض على هؤلاء اللصوص لعدم الرقابة الحقيقية عليها.

وفي هذا الصدد قام "العربية نيوز" بالتجول على قضبان السكك الحديدية والانتقال من محطة إلى أخرى لرصد هذه الثروة الهائلة من الحديد الملقى على وجه الأرض والقطارات المتهالكة التي لم تعد صالحة للعمل.

شملت الجولة عدة محطات، وأيضًا بعض الأماكن بين هذه المحطات؛ ومن المؤسف أن عدسة "العربية نيوز" لم تجد صعوبة في رصد المناطق التي يوجد بها هذه الثروات المهدرة؛ ولكن تمثلت الصعوبة في كيف يمكن حصر كل هذه الأماكن؛ فلم يخلو شبرا واحدا بطول السكة الحديد بجميع خطوطها من كميات الحديد الكبيرة؛ ما أدى إلى سهولة عملية الرصد من أي مكان.

كانت البداية من داخل القاهرة بمحطة رمسيس بعدها قررت "العربية نيوز" أن تسير على الخط المتجه إلى الإسكندرية من القاهرة، ورصدت الوضع بمعظم المحطات بالخط فكانت بنها، وقويسنا، وبركة السبع، وطنطا، ودمنهور من أبرز هذه المحطات.

لم يختلف الوضع كثيرا من محطة إلى أخرى غير أن الأماكن ليست واحدة فقط؛ فكلها تحتوي على كنوز مكشوفة على سطح الأرض يراها الجميع، حتى من لم يستطيع رؤيتها لعارض؛ يتعثر بها أثناء سيره.

رمسيس
كانت نقطة الانطلاق من محطة رمسيس بالقاهرة؛ حيث رصدت عدسة "العربية نيوز" لقطات متعددة توضح الحجم الكبير للحديد الموجود بجانب الأرصفة في أكثر من موضع، ولم يتحرك من مكانه منذ وقت طويل متروكا لأشعة الشمس صيفا، وسقوط الأمطار عليه شتاءً ما أدى إلى تآكله وإصابته بالصدأ.

بنها
توقف القطار بالمحطة الثانية فكانت بنها التي تحتوي على كميات كبيرة جدا من الحديد؛ فالتقطت العدسة بعضها بجوار المحطة والبعض الآخر يبعد عنها قليلا.


قويسنا
بعد محطة بنها واصلت عدسة "العربية نيوز" مشوارها في كشف هذه الثروات حتى وصلت إلى محطة قويسنا بمحافظة المنوفية؛ فكان الوضع كسابقه، حيث قامت بالتقاط بعض الصور منها حتى تكون حجة على من ينكر وجودها.

بركة السبع
لم تكتف "العربية نيوز" ببعض المحطات فقط؛ وإنما كانت تحاول أن ترصد الوضع بجميع المحطات حتى لا يظن أحد بأن هذا الإهدار موجود ببعض الأماكن فقط دون الأخرى؛ فكانت هذه المحطة هي الرابعة.

طنطا
اختلف الوضع قليلا بمحطة طنطا وما يبعد عنها بأميال قليلة؛ حيث زادت الكميات بها بشكل ملحوظ عن بعض المحطات السابقة، فهي عبارة عن جبال مرصوصة من الحديد، فضلا عن القطارات القديمة التي لا تستخدم ولم تعد صالحة للعمل.

دمنهور
بعد محطة طنطا واصل "العربية نيوز" رحلته الشاقة حتى وصلت محطة أخرى؛ فكانت دمنهور بمحافظة البحيرة، ولم تسلم هي الأخرى من وجود الحديد المهدر بجانب الأرصفة، والقطارات التي عف عليها الزمن ولم تعد صالحة للعمل.

وفي السياق ذاته، استطلع "العربية نيوز" آراء المواطنين حول هذه الثروة المهدرة الموجودة بالسكك الحديدية.

إهدار لأموالنا ولا بد من المحاسبة
في البداية، يقول محمود فهيم، 22 سنة، محافظة الإسكندرية، إنه يسافر إلى القاهرة بالقطار منذ خمس سنوات تقريبًا؛ ومنذ بداية سفره وهو يرى هذه الكميات الكبيرة من الحديد، دون أن يتم تحريكها أو النظر إليها والانتفاع بها، مشيرًا إلى أنها ثروة مهدرة ويجب استغلالها؛ لأن ذلك من وجهة نظره يعد إهدارا للمال العام، ويجب محاسبة كل من تغافل عنها.

وأوضح إبراهيم الديهي، محافظة المنوفية، أن وجود هذه الثروة دون الاستفادة منها تعبر عن سوء ادارة هيئة السكة الحديد؛ حيث تمتلك ثروة من شأنها تخفيف بعض الأعباء التي تعاني منها، ومع ذلك لم تستفيد منها، مضيفا أنه لا بد من الانتفاع بهذه الثروة الموجودة في تطوير المنظومة؛ وإذا لم تكن السكك الحديد ليست بحاجة إليها فعلى الدولة توجيهها إلى صناعات أخرى تعود على المواطنين بالنفع.

وأضاف أنه على الدولة الحفاظ على الأموال والثروات التي تم جمعها من المواطنين؛ لأن ذلك يعد إهدارا للمال العام، مقترحا أن تستغلها الحكومة في امداد المناطق التي لم تصل إليها السكة الحديد، مثل أماكن الصناعات في الصعيد وسيناء، للاستفادة منها وسرعة نقل المواد الخام لأماكن التصنيع، وتوفير الوقت والمال الكثير الذي يتم انفاقه من قبل الدولة والمستثمرين على وسائل المواصلات الأخرى.

وأوضح أنه من السهل سرقته لأن الحديد لم يقتصر وجوده على المحطات فقط؛ وإنما يوجد في أماكن بعيدة تغيب عن الرقابة خاصة أثناء الليل، مستطردا" إذا كانت هيئة السكة الحديد لا تستطيع جمعه وإعادة تصنيعه؛ فعليها أن تفوض الأمر لبعض الشركات الخاصة التي تعمل في هذا المجال، لتقوم بذلك لأن وجوده دون استخدامه لا فائدة له".


هيئة سكك الحديد بها ثروات مهدرة والمسئولين خارج الخدمة
ومن ناحية أخرى، الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ السكك الحديدية بجامعة الأزهر، إن هيئة السكك الحديدية في مصر عليها أن تعمل طبقا لرؤية واضحة ومحددة تصب في النهاية لصالح المواطنين، مشيرا إلى أنها تعاني في الوقت الحالي من خسائر؛ وعليها أن تلتفت لكل الاتجاهات التي من الممكن أن تساهم في دعمها.

وأشار مبروك، إلى أن السكة الحديد تمتلك ثروة هائلة من حديد القضبان غير المستخدم، وأيضا القطارات المتهالكة؛ إلا أن المنظومة لاتفكر في استغلالها بشكل أو بآخر، مؤكدًا أن أوجه الاستفادة منها متعددة ولا تحتاج فقط سوى التفكير فيها بجدية.

وأوضح أستاذ السكك الحديدية بجامعة الأزهر، أن حديد القضبان له أربعة مراحل يمكن استخدامه فيها؛ تبدأ الأولى بعد تصميمه مباشرة، حيث يتم وضعه على خطوط الدرجة الأولى لزيادة السرعة عليها، وعندما يقل ارتفاعه ويحدث به تآكل يتم نقله إلى خطوط الدرجة الثانية، مثل مترو الأنفاق الذي تقل السرعة فيه عن الأولى.

وأضاف أما المرحلة الثالثة؛ فإنه عندما يتآكل في مترو الأنفاق؛ يتم تشغيلها في خطوط الدرجة الثالثة، مثل الترام، وفي حالة تآكلها بخطوط الدرجة الثالثة ؛ يتم نقلها إلى خطوط الدرجة الرابعة، والوسائل التي تستخدم لنقل ما تحتاجه المناجم.

وتابع "بعد كل هذه المراحل لم تنته صلاحيته؛ وإنما يمكن نقله إلى شركات الحديد والصلب، لإعادة تدويره من جديد واستخدامه في أغراض أخرى مثل حديد التسليح"، موضحا أن ذلك من شأنه تخفيض أسعار الحديد المستخدم في التسليح، كما أنه يمكن استخدامه في عمل الفلنكات التي توضع أسفل القضبان عند إنشاء خطوط جديدة


رئيس الصناعات المعدنية" يقترح إعادة تدوير الحديد الفائض في السكك الحديدية
وأقترح جمال الجارحي رئيس غرفة الصناعات المعدنية، إن الحديد بشكل عام له ثلاثة أنواع وكل نوع له استخداماته الخاصة به، بداية من الحديد الصلب الذي يستخدم في صناعة الجسور وأنابيب الميـاه، مرورا بالحديد اللين الذي يستخدم في صناعة السلاسل والسفن والمسامير والمغانط المؤقتة، وحتى النوع الثالث المتمثل في الفــولاذ؛ ويصنع منه الخزائن والسكك الحديدية والسيارات والمغانط الدائمة.

وفيما يتعلق بكيفية الاستفادة من الحديد الفائض عن حاجة السكك الحديدية من قضبان وقطارات متهالكة وغيرها؛ أوضح رئيس غرفة الصناعات المعدنية، أنه لا توجد أدنى صعوبات على الإطلاق في تدويره وإعادة استخدامه في أعمال أخرى، موضحا أن مصانع الحديد والصلب تقوم بتقطيعه أولا ثم صهره وتسييحه داخل الأفران الخاصة بذلك، متابعا "يلي ذلك عدة مراحل يمر بها الحديد حتى يخرج بالوجه الذي تم تحديده والاستخدام الذي نحتاج توظيفه فيه سواء كان تسليح المباني أو صناعة الصاج الذي يستخدم في معظم الأدوات الكهربائية وغيرها".

وأشار الجارحي إلى أن الحديد يعد من أكثر المعادن التي نستخدمها في حياتنا، كما أن تصنيعه لغرض ما لايعني أنه يقف عنده فقط؛ وإنما يمكن بسهولة إعادة تشكيلة مرة أخرى، واستخدامه في أغراض عديدة حسب نوعية الحديد من بين أنواعه الثلاثة، مؤكدا أننا نستخدم الحديد في جميع الحاجات الأساسية والكمالية؛ بدأ من المباني المسلحة به، إلى العربات والسيارات، والآلات التي نستخدمها لصناعة الأجهزة الميكانيكية والكهربائية، التي تستخدم في المنازل، إلى الأدوات التي تستخدم في الطهو والأكل والشرب.

لا يوجد إحصائية لحجم حديد الخردة بالسكة الحديد
وأوضح أحمد فاو الضبع، عضو اللجنة النقابية بشركة الحديد والصلب المصرية التابعة لقطاع الأعمال العام، وأمين مساعد صندوق الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، في تصريحات خاصة لـ"العربية نيوز" إنه لا يوجد إحصائية محددة لحجم حديد الخردة الموجود بالسكة الحديد، والمنتشر طوال خطوط السكك الحديد، مرجعا ذلك إلى أن هناك كميات كثيرة مدفونة يصعب حصرها.

وأشار الضبع إلى أن شركة الحديد والصلب المصرية تبذل أقصى مجهود لتجميع الخردة ونقلها إلى المحولات التي تقوم بصهرها؛ لاستخدامها من جديد، مؤكدا أنه يوجد صعوبات في عملية التجميع؛ حيث تحتاج إلى المعدات، والكثير من العمال والمتخصصين.

وأضاف عضو اللجنة النقابية بشركة الحديد والصلب، أنه خلال الفترة الماضية تم إجراء مناقصات مع بعض الشركات التي تقوم بجمع هذه الخردة وتصنيعها، متابعا" يتم الاستفادة منها دون أي تالف؛ حتى الشوائب التي تعلو على السطح أثناء عمليات الصهر يتم بيعها لشركات الأسمنت التي تحتاجها في التصنيع".

ولفت الضبع إلى أنه خلال الفترة المقبلة سيتم إنشاء فرن خاص للخردة للتقليل منها وزيادة عمليات التصنيع، مؤكدا أن الشركة اعتمدت في الفترة الماضية بدرحة كبيرة على مكاسب الخردة والاستفادة منها في الخروج من الأزمات المالية التي واجهتها عقب ثورة 25 يناير التي أضعفت الإنتاج، حيث تغلبت الشركة على مشكلة مرتبات العاملين التي تعادل مايقرب من 35 مليون جنيه شهريا، واستطاعت من خلال هذه المكاسب أن تدفع المرتبات دون اللجوء إلى الدولة في ذلك كما فعلت غيرها من الشركات.