عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

الصين ومصر


اصبح اليوان الصينى معترفا به كعملة دولية، ضمن سلة عملات صندوق النقد الدولى بدءا من نهاية شهر أكتوبر الماضى، وهذا ما يفسر تحديد سقف للمبلغ المسموح بالتعامل في حدوده بالعملات الوطنية في حدود 2.7 مليار دولار.
ومن هنا تبدو ضرورة تعظيم صادراتنا من السلع «والخدمات» إلى الصين كسبيل لتوسيع حدود التعامل بالعملتين الوطنيتين، بما يساعد على تقليص حاجتنا إلي الدولار في التعامل مع الصين، ومعروف أننا نصدّر إلى الصين سِلعاً زراعية ومواد خام بصورة أساسية «كالرخام والجرانيت والجلود».. بينما يصعب علينا كثيرا المنافسة فى مجال الصادرات الصناعية إلى الصين، التى تجتاح صادراتها الصناعية أسواق العالم. فما العمل؟
طبعاً يمكن زيادة الصادرات من البنود الحالية، ولكن في حدود ضيقة نظرًا لضعف إنتاجية الاقتصاد المصرى في المرحلة الحالية، وقوة المنافسة في الأسواق الصينية، كما يمكن توسيع نطاق الخدمات اللوجستية المقدمة إلي السفن الصينية فى قناة السويس والموانئ المصرية، أو الخدمات التي تقدمها مصر إلى المنطقة الصناعية الصينية في مصر، لكن هذا كله يظل أقل بكثير من أن يترتب عليه تأثير ملموس فى معالجة الخلل الحاد في ميزان صادرات السلع والخدمات المصرية إلى الصين.
وتبرز السياحة الصينية باعتبارها المجال الواعد أكثر من غيره لإمكانية تصحيح الخلل الجسيم القائم فى الميزان التجارى بين البلدين «تصدير الخدمات»، فلدى الصين «118 مليون» سائح يسافرون سنويا إلى مختلف أرجاء العالم.. لا يزيد نصيب مصر منهم علي 120 ألفاً فقط!! مقابل ثلاثة ملايين سائح روسى مثلا قبل حادث الطائرة المشئوم فوق سيناء ولاشك أن هذا الرقم « 120 ألفا من 118 مليونا» هو رقم شديد الضآلة، سواء بالنسبة لإمكانات مصر السياحية الضخمة والمتنوعة ما بين ثقافية وترفيهية، أو بالنسبة لأعداد السياح الصينيين الهائلة، وبينهم شريحة واسعة تعدّ بالملايين من رجال الأعمال ومديرى الشركات وغيرهم من الأثرياء المعروفين بإنفاقهم الجيد في رحلاتهم السياحية، والذين يمثلون صفوة الطبقة الوسطى الواسعة «400 مليون تقريبا» التى راكمت ثروات ضخمة خلال عقود من الثورة الصناعية المتصلة وازدهار الاقتصاد الصينى.
ومن المؤسف أنه لم يتم بذل أى جهد جدى للترويج للسياحة المصرية وسط هذ العدد الهائل من السياح الصينيين «نكرر: 118 مليونا» كل عام، الذين يمثلون كنزا حقيقيا أو «منجم ذهب سياحيا» بكل معنى الكلمة.. وليس لدينا أى دراسات عن هذه السوق الأكبر في العالم، ولا عن أمزجة وتفضيلات السائحين الصينيين. وفضلا عن ذلك فإن من يعرفون اللغة الصينية يعدون بالعشرات وربما بمئات قليلة فى أفضل الأحوال.. وتجرى الغالبية الساحقة من معاملاتنا مع الصين باللغة الإنجليزية، أو من خلال مترجمين صينيين يتحدثون العربية، ولن يكونوا مهتمين بالترويج لسلعنا أو لسياحتنا بالطبع، وإنما بتحقيق مصالح بلادهم وشركاتهم.
والأسوأ من ذلك أنه لا يوجد لدينا مركز أبحاث واحد متخصص في الدراسات الصينية، بينما يبلغ عدد سكان الصين (1400 مليون نسمة) يمثلون خمس سكان العالم.. وكل ما لدينا هما مركزان متواضعا الإمكانيات، أحدهما في جامعة القاهرة والآخر فى جامعة الزقازيق متخصصان في الدراسات الآسيوية عموما.. من اليابان وكوريا الجنوبية وجنوب شرق آسيا والصين والهند ــ إلى باكستان وآسيا الوسطى وإيران وتركيا!! أى نصف سكان العالم، أو يزيد!! وتستقطب اليابان وكوريا الجنوبية جزءا كبيرا من اهتمام هذين المركزين بحكم كونهما تقدمان منحًا دراسية وتمويلا لمشروعات بحثية ومؤتمرات علمية.. والنتيجة أن دراسة أوضاع دول ومجتمعات وأسواق هائلة كالصين والهند واندونيسيا تظل شبه منعدمة لدينا.. وبالتالى يظل توجهنا إلى تلك الدول والأسواق قائماً على ما يمكن أن نستورده منها بالدرجة الأولى، وليس ما يمكن أن نقدمه إليها.
ونرجع الى قضية الدفع المتبادل بالعملة الوطنية بين مصر والصين وأهميتها لتخفيف الضغط على مواردنا الدولارية، نقول إن هناك آفاقاً طيبة لزيادة التعاملات المصرية ـ الصينية عن المبلغ المحدود الحالى " 2.7 مليار دولار" بشرط اهتمام المسئولين ورجال الأعمال والخبراء المصريين بتعظيم صادراتنا من السلع والخدمات إلى الصين، خاصة أن مقياس تحديد قيمة كل من العملتين إلى الدولار " وحدة القياس الرسمية " قد أصبح أسهل كثيرا بعد تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.. فهل نفعل ؟ الكرة فى ملعبنا.. ونحن في مسيس الحاجة لكل خطوة في اتجاه تخفيف الضغط على عملتنا الوطنية.. واتفاقنا مع الصين خطوة أولى يجب أن تتلوها خطوات.. والطريق مفتوح وممهد.