عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

سأمسك عصاتى من منتصفها


لا أتحدث عن حكومة ناجحة أو فاشلة وبرلمان جدى أو هزلى وإعلام صالح أو فاسد وإخون وقطر وتركيا ودماء سيناء وبيوت الوراق وليالى الساحل الشمالى.. دعكم من كل ذلك وكل هؤلاء.. فهم ليسوا مشكلتنا الحقيقية وليسوا هم وجعنا الحقيقى.. إنما المشكلة والوجع والأزمة الحقيقية هى أنت وأنا.. فنحن الاثنان لم ننظر إلى المرآة منذ ست سنوات تقريبًا.. لم نرَ ملامحنا الحقيقية ولم ندرك حجم القبح الذى أصبحنا عليه.. فكل ما نعاتب الناس عليه ونغضب منهم ونشتمهم ونسخر منهم بسببه.. نمارسه نحن أنفسنا بمنتهى البساطة والوقاحة أيضًا.. يزعجنا دومًا من الآخرين ما نمارسه نحن أنفسنا طوال الوقت.
أصبحنا مجتمعًا مريضًا مسكونًا بالتناقضات والخطايا المتبادلة والجهل الذى هو القدرة فقط على القراءة والكتابة والكلام دون أى وعى أو فهم أو حتى محاولة ذلك.. أصبحنا مجتمعًا يكذب دون خجل.. يصدر أحكامه دون تحقيق.. يرى فى الصباح ألف دليل على تخلفه وفشله فى كل شىء ثم يصدق فى المساء أنه الأعظم لكنها الماسونية وكل القوى العظمى فى العالم هى التى تحاربه وتتآمر على بلاده.. مجتمع لا يزال بمنتهى التبجح يدعى أنه ثار على الإخوان خوفًا من ظلامهم وقوانينهم الرجعية المتخلفة بينما هو لا يزال يمارس نفس الرجعية وينشر نفس الظلام دون أى فارق.. مجتمع فيه من يتظاهر ضد الجيش والعسكر ويقسم هؤلاء أنهم يقومون بذلك عشقًا للديمقراطية وخوفًا عليها بينما تكتشف عند مناقشتهم وخلال أقل من دقيقة أن هؤلاء أكثر فاشية وديكتاتورية من أى أحد ارتدى بدلة عسكرية على مر التاريخ.. مجتمع قرر أخيرًا ألا يرى إلا كل ما هو قبيح وردىء ويسعى وراءهما ويفتش عنهما طوال الوقت ولا يستمتع إلا بنقلهما للآخرين ثم يجلس نفس هذا المجتمع يصرخ باكيًا على كل ما يحيط به من قبح ورداءة.. مجتمع يقضى ساعات نهاره يشتم الإعلام ويلعن برامج التوك شو التى تهدم البلد ثم يجلس القرفصاء فى المساء أمام شاشات التلفزيون يلهث وراء هذه البرامج وأصحابها ولا يستمتع إلا بصراخهم واتهاماتهم وردحهم المتبادل.. مجتمع يجيد التظاهر بالتدين والخلق الرفيع فيغلق الشوارع عند صلاة كل جمعة وفى تراويح رمضان ويعلو صوته بالقرآن والدعاء فى كل عزاء وعند كل مأساة وهو فى نفس الوقت مجتمع ينفشى فيه الفساد والرشوة والإهمال وغابت عنه الأخلاق والضمائر.
وأسمع كثيرين منكم الآن يصرخون فى وجهى بأننى أحاول إمساك العصا من منتصفها ولا أملك القوة والجرأة والشجاعة لأحدد موقفا واضحا ومحددا من كل شىء وكل أحد.. وأنا بالفعل أمسك العصا من منتصفها لأننى لا أملك جرأة الجهل ووقاحة الحماقة.. لا أزال أمتلك عقلاً يجبرنى على السؤال والتفكير والتفتيش عن الحقيقة.. لا أزال أمتلك ضميرًا لا يسمح لى بتعرية فنانة وإهانتها لمجرد أنها فنانة أو تلطيخ سمعة وسيرة وصورة رجل شرطة لمجرد أنه رجل شرطة.. وعلى أى حال أنا إنسان بمفرده يمسك العصا من منتصفها.. وسأحمل عصاتى وأجلس فوق الرصيف أشاهدكم يا من تحملون عصيان العالم كلها من أحد أطرافها.. يا من لا تخافون أحدًا أو شيئًا وتسارعون بإصدار أحكامكم دون أى تحقيق أو تمهل.. لكننى لن أستمتع بالفرجة عليكم وأنتم تخسرون يومًا وراء يوم وتشعلون طوال الوقت مزيدًا من الحرائق وتثيرون الكثير جدًا من الفوضى.. لأنه فى لحظة النهاية .. لن تدفعوا وحدكم الثمن إنما سأدفعه معكم للأسف الشديد.. لا فارق وقتها بين الذى كان شيطانا واستمتع بذلك أو كان إنسانًا وحاول أن يبقى كذلك.. لا فارق بين الذى استخدم عقله أو استخدم حذاءه.. فالخراب سيطال الجميع إن لم نتغير.. الدم سيطارد الجميع إن لم ننتبه.. لا أمل فى أى مستقبل إن لم نتأكد ونقتنع بأن الناس.. الناس بالفعل.. هم الذين بقرارهم واختيارهم يصنعون حكامهم وحكومتهم وإعلامهم وأمنهم وفنهم وحياتهم أيضًا.