عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

أزمة

نهال القوبسنى
نهال القوبسنى

تغيبت زميلة شابة لفترة عن مكان العمل. فلما سألت عنها علمت أنها قد تقدمت بطلب أجازة لظروف صحية. وكنت قد لاحظت عليها قبل تغيبها شرودها الدائم وشحوب وجهها، فقررت الإتصال بها للإطمئنان عليها والإستئذان في زيارتها. وفي اليوم التالي حملت الزهور والحلوي وذهبت لزيارتها حيث تعيش مع أسرتها.

إستقبلتني والدتها بترحاب وأدخلتني غرفتها حيث كانت ملازمة الفراش. وتركتنا وحدنا بعد واجب الضيافة. بادرتها بالسؤال عن نوع المتاعب الصحية التي تعاني منها. وبصعوبة بالغة، بعينين ذاهلتين دامعتين أخبرتني أن أزمتها نفسية وليست عضوية. ولما كنت أقدم أعضاء فريق العمل وأكبرهم سنا، فقد إعتاد الزملاء اللجوء إلي لطلب مشورتي في أمور العمل والمشاكل الشخصية أيضا. وقد أكسبني ذلك ثقة الجميع ومكنني من الإقتراب من فهم طبيعة التحديات التي يواجهها الشباب في مجتمعنا.

شجعني كل ذلك أن أقدم علي محاولة مد يد العون لتلك الزميلة الشابة لمساعدتها علي التعافي من أزمتها. وأعطيت لنفسي الحق في الإستفسار عن التفاصيل فقلت لها: أنا مهتمة بسماعك إن كنت ترغبين في الحديث. ففي كثير من الأحيان يساعدنا الحديث بصوت عال مع شخص نثق به علي رؤية الامور بصورة أوضح والتخلص من عبء نفسي ثقيل.

وفي الحقيقة إن الأمر لم يتطلب عناءا في إقناعها. فلم تمانع في التحدث عن المشكلة. بادرتني قائلة علي إستحياء: تعلمين حضرتك أنني خجولة وهذا الامر يسبب لي حرجا وإرتباكا في أوقات كثيرة. كما أنه يؤثرعلي تعاملاتي مع الآخرين وعلاقتي بهم.

بإختصار وجدت نفسي أمام سلسلة من الإخفاقات المتتابعة، أعجز عن حلها أو فهمها أو إيقافها أو تغييرها. وجدت صورتي سيئة في نظر الآخرين وإن لم يصرحوا بذلك. لسان حالهم ونظراتهم وإستبعادهم لي من أي تجمع أو نشاط ، فشلي في التواصل مع الآخرين وتكوين صداقات أو علاقت مودة مع أحد حطم نفسيتي وأحبطني، وجعلني تائهة لست أدرى أين الخطأ في سلوكي وتصرفاتي، ولماذا لا يشعر الآخرون بالإرتياح نحوي ويتجنبون التعامل معي.

إنتظرت حتي إنتهت من حديثها وصمتت تماما ثم فاجأتها بسؤالي: وما هو يا تري رأيك في نفسك وتقييمك لشخصيتك؟ أربكها سؤالي ونظرت إلي بإندهاش. فبادرتها لأخرجها من حيرتها: المشكلة حلها في يدك. بداية نجاحك في علاقاتك مع أي طرف خارجي أساسه علاقتك بنفسك. بمعنى إنك لكيّ تتمكني من التفاهم مع الآخرين وبناءعلاقات سليمة وصحيحة معهم، لا بد أن تكوني قد فهمت نفسك جيدا وتعرفتي علي خصائصها وسماتها. فهل تراكي راضية عنها، فخورة بها، مدركة لمواطن قوتها وتميزها؟ وهل تعكس تصرفاتك أفكارك وقناعاتك؟ بمعني آخر هل تقبلين نفسك كما هي بوعي وإدراك وتعيشين في سلام معها؟ هل أنتي راضية عنها تمام الرضا؟ أم أنك تشعرين بأوجه نقص وقصور تضعف من ثقتك بذاتك؟

أعتقد أنك تحتاجين لقضاء بعض الوقت في التفكير في هذه الأموروإعادة تقييم أشياء كثيرة وتنظيم أفكار مشوشة يزدحم بها عقلك، بعدها تقررين ما إذا كان بإمكانك العمل علي تحسين أوجه القصور والنواقص التي تشعرين بها عن طريق التعلم وإكتساب مهارات حياتية وعملية. ولتعلمي أن تطوير النفس والتعلم بأنواعه هو فلسفة حياة متكاملة، وهو الإستثمار الأمثل للوقت والجهد، كما أنه أحد الشروط الأساسية للنجاح. قد يستغرق منك ذلك بعض الوقت والجهد ولكنه لا بد أن ينتهي برضائك عن نفسك وتصالحك معها وإقتناعك بها كما هي فتحبينها وتقدرينها.

ولا تجعلي همك إرضاء الآخرين. سوف يأتي ذلك بطريقة طبيعية مع إنعكاس وعيك بذاتك وثقتك في نفسك علي تصرفاتك وتعاملاتك.