عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

بعد السقوط فى ليبيا.. ترسيم الحدود البحرية بشرق المتوسط بين القاهرة واثينا ضربة قاسمة للأطماع التركية


النزاع على آبار الغاز بمنطقة شرق البحر المتوسط أصبح على صفيح ساخن، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، خاصة بعد تزايد الاطماع التركية فى الحصول على جزء من كعكة الثروات الطبيعية من احتياطات الغاز الطبيعى من آبار الغاز القبرصية واليونانية، الأمر الذى آثار الذعر بين دول الإتحاد الأوروبي، تخوفا من نشوب الحرب على احتياطات الغاز فى المنطقة الأمر الذى يهدد مصالح جميع الدول بالمنطقة، واعتبر الاتحاد الاروبى قيام تركيا بارسال سفينة البحث والاستكشاف لعمل بحث سيزمى بالمياة الاقتصادية الدولية لليونان وقبرص، ومما لا شك فيه أن التصعيد التركى الخطير بشرق المتوسط والذى تثيره أنقرة, للاستيلاء على مصادر الطاقة خاصة الغاز الطبيعى بعد اكتشاف الاحتياطات الهائلة بشرق المتوسط والتى سيكون من شأنها التأثير فى القرارات الخاصة بدول المنطقة.

وقد كانت للإتفاقيات الثنائية التى تمت بين مصر واليونان والتى وافق عليها مجلس النواب المصرى والبرلمان اليونانى بشأن ترسيم حدود المناطق البحرية بالمياه الدولية بين اليونان ومصر في شرق البحر المتوسط، آثار الأطماع العثمانية للرئيس الارعن اردوغان، وسط تصاعد التوترات بين أنقرة وأثينا وبحث تركيا عن نصيب غير شرعى لها فى ثروات البحر المتوسط، كما أن المعاهدة التى وقعت بين كل من مصر واليونان للاستفادة إلى أقصى حد من الموارد المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وخصوصا احتياطيات النفط والغاز, وبعد توقيع هذه الاتفاقية الثنائية، نشرت أنقرة مركب المسح الزلزالى عروج ريس والقطع الحربية المرافقة لها لإجراء عمليات استكشاف قبالة جزيرة كاستيلوريزو اليونانية، على بعد كيلو مترين من الساحل التركى, وأعلنت أنقرة تمديد مهمة السفينة..

كما ان التطورات الأخيرة التى يشهدها شرق المتوسط والتهديدات التركية، لم تكن وليدة اللحظة، فهى ترتبط بشكل مباشر بتوازنات القوى في المنطقة بعد تشكل تحالفات جديدة بين كل من تركيا وإيران وقطر , في مواجهة الرباعي العربي "مصر والسعودية والإمارات والبحرين، وارتباط كل ذلك بالمصالح الأمريكية الروسية في المنطقة, ولايمكن قراءة التطورات الأخيرة بعيدا عن الأوضاع في كل من ليبيا والسودان وسوريا واليمن، والتدخل التركى السافر فى ليبيا الذى باء بالفشل الذريع, بعد تراجع نفوذ التحالف الإخواني وتلقيه هزائم متتالية على الأرض في مناطق الصراع، ومن الواضح أن نظام إردوغان بانتمائه الإخواني يفكر حاليا في الخروج من أزماته الداخلية وحالة الغضب المسيطرة على الشارع التركي تجاهه، عن طريق اختلاق أزمة خارجية في محاولة لإلهاء الشارع التركي وكسب المزيد من الوقت، لذلك لجأ لاستفزاز جيرانه بأفعال غير قانونية، معلنا نية تركيا الحفر في منطقة بحرية تطالب بها قبرص وبالقرب من المياه الاقتصادية لمصر.

لم يكتف الخليفة المزعوم بذلك بل أعلنت حكومته عن خططها إرسال سفينة حفر ثانية لمنطقة شرق البحر المتوسط، للتنقيب عن النفط والغاز، وهو ما قوبل برد حازم وقاطع من وزارة الخارجية المصرية في بيان رسمي حذرت فيه تركيا صراحة من العبث في شرق المتوسط ، لكن الاستفزازت لم تتوقف ففي اليوم التالي أعلنت تركيا انطلاق مناورات بحرية "ذئب البحر2019" في نفس المنطقة محل النزاع بمشاركة 131 سفينة بحرية، و57 طائرة حربية، و33 مروحية.

ولكن بالنظر الى اعمال العقل ودراسة الموقف عن قرب نجد أن التهديدات التركية هشه لا تتعد "البروباجندة" لإثبات الوجود باختلاق بطولات وهمية يستطيع من ورائها جنى أي مكاسب، وذلك لعلمه التام بخطورة الإقدام على أي خطوة قد يترتب عليها مواجهة عسكرية مباشرة مع مصر، وإدراكه أن موازين القوة العسكرية ترجح كفة الجانب المصري الذي نجح في أقل من 5 سنوات في إنشاء أقوى ترسانة بحرية في الشرق الأوسط، إلا أن جميع السيناريوهات تظل مطروحة على طاولة الحكومة وأجهزة الأمن القومي المصرية التي من الواضح أنها استعدت جيدا لمواجهة أي تصعيد محتمل, وبكل تأكيد فأن أي مقارنة عسكرية بين القوات البحرية المصرية ونظيرتها التركية ستكون لصالح مصر وفقا لتقرير أكبر مراكز التحليلات العسكرية، "Global Firepower" حيث تحتل مصر المرتبة السادسة على العالم من حيث القوة البحرية بـ 319 نقطة ، بينما تحتل تركيا المرتبة الثانية عشر بـ 194 نقطة ، فالبحرية التركية تمتلك فرقاطات كبيرة الحجم مثل فرقاطة "BARBAROS"، من طراز "OLIVER HAZARD PERRY" المحدثة، وغواصات من طراز "TYPE-209", والبحرية المصرية تتفوق على نظيرتها التركية في كم التسليح وقوته، حيت تمتلك حاملتي مروحيات من طراز "ميسترال"، وغواصات ألمانية حديثة من طراز "تايب"، وفرقاطات "فريم" و"أوليفر هازرد"، وزوارق صواريخ مثل "مولنيا" الروسي الذي يحتوي على صواريخ "موسكيت" الأسرع من الصوت، وزوارق "أمباسادور" بالإضافة إلى ذلك، اكتملت أعمال بناء وتجهيز الكورفيت الشبحي المصري الثالث "المعز" رقم 981 وسمي "Gowind-2500"، وتبلغ إزاحته 2600 طن وطوله 102 متر وعرضه 16 مترا وسرعته القصوى 47 كم/ساعة ومداه الأقصى 6850 كم.

ولا تتوقف قدرة البحرية المصرية على الفرقاطات وزوارق الصواريخ، ولكن القوات المصرية تمتلك قدرات دعم جوية كبيرة تتمثل في المقاتلات والمروحيات الهجومية، مثل مقاتلات "الرافال" الفرنسية، و"ميغ-29" الروسية، و"إف-16" الأمريكية، بالإضافة إلى مروحيات "كا-52" الروسية الهجومية، وغيرها من وسائل الحرب الإلكترونية.

ولكى نكون منصفين، يجب أن نعترف أن القيادة السياسية للبلاد برئاسة الرئيس بعد الفتاح السيسي والمؤسسة العسكرية المصرية استعدت مبكرا لكل تلك السيناريوهات التى يثيرها السلطان التركى المزعوم، بنجاح المؤسسة العسكرية المصرية في إبرام العديد من الصفقات العسكرية الناجحة وتطوير منظومة التسليح داخل الجيش المصري وتنويع مصادرها.

وإذا نظرنا من الناحية القانونية حول التهديات التركية واطماعها فى شرق المتوسط فان مسألة استغلال الموارد الطبيعية، خاصة المواد الهيدروكربونية، ظلت تشكّل مسارا للخلاف الدائم والمستمر في التفاعلات الدولية، لا سيما في منطقة حوض شرق البحر المتوسط؛ حيث تتعدد الأطر القانونية الحاكمة لتلك التفاعلات، والتي يُمكن حصرها في ما يلى, اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، والتي تم توقيعها في 10 ديسمبر 1982، ودخلت حيز النفاذ في 16 نوفمبر 1994 بعد أن صادقت عليها 60 دولة، وهذه الاتفاقية رفضت تركيا التوقيع عليها.

وتضمنت الاتفاقية تقسيم البحار إلى أربع مناطق رئيسية، وهي البحر الإقليمي ويُحدد بحد أقصى 12 ميلا بحريّا من خط الأساس، وللدولة سيادة كاملة عليه، ثم المنطقة الاقتصادية الخالصة التي حددتها بمئتي ميل بحري تقاس أيضا من خط الأساس، ثم منطقة الجرف القاري، وأخيرا أعالي البحار.

وقد نصت الاتفاقية بشكل واضح على المبادئ العامة لاستغلال الموارد الطبيعية، سواء الحية أو غير الحية الموجودة في المياه أو في القاع بما في ذلك من موارد هيدروكربونية ونفطية, لكن تظل هذه الاتفاقية إطارية عامة، ولا تُلزم الدول إلا بالاتفاق على الالتزام بها, وثانيا: اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية، والتى دخلت حيز النفاذ في عام 2004، حيث عيّنت المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بالدولتين وفقا لقاعدة خط المنتصف، والذى حددته الاتفاقية في البند الثانى من المادة فى ثمانى نقاط إحداثية جغرافية، غير أن الاتفاقية قد ألزمت في المادة الثالثة الطرفين عند الدخول في أيّ مشاورات مع طرف ثالث لتعيين الحدود البحرية، إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه، وهو ما لم تلتزم به قبرص في اتفاقيتها لتعيين الحدود البحرية مع إسرائيل.

كما أن هناك ايضا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية القبرصية، حيث وقعت الحكومة اللبنانية والقبرصية في عام 2007 اتفاقا لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وتم الترسيم وفقا لنقطتين مؤقتتين هما 1 جنوبا، والنقطة 6 شمالا، حيث ألزمت الاتفاقية في مادتها الثالثة أي طرف يدخل في تفاوض مع طرف آخر لترسيم الحدود البحرية في إحداثيات أي نقطة من 1 أو 6، الرجوع إلى الطرف الآخر.

رابعا، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية القبرصية الإسرائيلية، حيث قامت الحكومتان الإسرائيلية والقبرصية في 17 أكتوبر 2010 بالتوقيع على اتفاقية تحديد الحدود البحرية بينهما، لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بكل منهما، والتي تم تحديدها أيضا وفقا لقاعدة خط المنتصف، والذي يقع على مسافة 150 كم شمال غرب حيفا، والذي تمّ تحديده في البند الثاني من المادة الأولى في اثنتي عشرة نقطة إحداثية جغرافية.

وهو ما تم مؤخرا فى ترسيم الحدود بين مصر واليونان وموافقة البرلمان فى البلدين على الاتفاق الثنائي بشأن ترسيم حدود المناطق البحرية بين اليونان ومصر في شرق البحر المتوسط، وتسمح المعاهدة لكل من مصر واليونان بالاستفادة إلى أقصى حد من الموارد المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وخصوصا احتياطيات النفط والغاز.