عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

في حوار لـ"سبوتنيك".. المغامر السوري أيهم محرز يكشف كواليس تسلق أعلى خمس قمم في العالم من أصل سبع

نيوز 24

أجرت وكالة "سبوتنيك" الروسية حوارا مع الرحالة والمغامر ومتسلق الجبال ورجل الأعمال المغترب السوري، أيهم محرز، كشف خلاله كواليس تسلقه أعلى خمس قمم في العالم من أصل سبع.

وإليكم نص الحوار:

لكل قمة خطوة أولى... تبدأ من الأسفل... حدثني عن خطوتك الأولى، أين كانت؟ وكيف انطلقت؟

بدأ الحلم عندما كنت مع أولاد عمي نقضي الصيف في القرية، نبقى مع بعضنا البعض، نعود آخر الليل لنضع رأسنا على وسادة النوم، متأملين في السماء، ونتحدث عن أحلامنا، وكانت أحد أحلامي (بسبب حبي للجبال) أن أنطلق عالميا واتسلق جبال العالم.. وكانت الخطوة الأولى من "كلمنجارو"، عام 2011، كانت أول قمة دولية لي، تسلقتها ونجحت، بعدها وجدت متعة كبيرة بهذا الموضوع، متعة تعجز عنها الكلمات، متعة التواصل مع الطبيعية والحرية التي تجدها وأنت في الجبل، وتنفرد بنفسك بعيدا عن الجميع.

أنت من حمام القراحلة (اللاذقية – جبلة)؟ هل هذا المكان أصل عائلتك أم أنك عشت هناك وبعدها غادرت سوريا؟

مسقط رأسي من حمام القراحلة، إحدى قرى الساحل السوري، والديّ من هناك، كنت أمضي كل وقتي على جبال القرية، ولا أنسى أبدا انتمائي لهذ المكان الفريد من نوعها.

عشت في سوريا حتى أنهيت دراستي الجامعية، قبل أن أغترب منذ قرابة 25 عاما، ولكني أبقى محتفظا بكل ذكرياتي هناك، حتى بيتنا في حمام القراحلة ما زال موجودا، وتبقى ذكراه في قلبي دائما، وسأعود إليه يوما.

من ساعدك وشجعك لتصبح الآن على بعد قمتين من المجد العالمي؟ وهل كنت بحاجة لإعانة مادية أم كان كل شيء ذاتيا؟

لم أعتمد على أحد، وإذا أردت الحقيقة فإن الصدفة لعبت دورا أساسيا في أن أشق هذا الطريق.. عندما كنت موجودا في كندا اكتشفت أن جاري واسمه (جامبيير) يتسلق الجبال وهي مهمته، كل عام يتسلق بين 10-15 جبلا، وهنا راودني مجددا إحساس حب الجبال، وهذا الجار هو من قام بتشجيعي وله فضل كبير علي.


ولم أحتج لأي رعاية مادية والحمدلله، كنت أقوم بتغطية كل نفقاتي بنفسي، فأنا في حياتي المهنية رجل أعمال، وأتمنى أن لا أحتاج أي إعانة مادية من أي أحد، فكل ما أريده أقوم به بنفسي، والأشخاص الوحيدين الذين قاموا بمساعدتي، هم أصحابي أو دعنا نقل رفاق المغامرة والذين كان لهم الدور الأكبر في تطوري بهذه الرياضة الشيقة رغم خطورتها.

في مثل هكذا مغامرة، تمر بلحظات صعبة، ولكنها تتوج بالفخر عند الوصول إلى القمة... ما هي أصعب لحظة مررت بها؟ وما هي الأمتع؟

لا أستطيع أن أقول لك أصعب لحظة.. فقد عشت لحظات قاسية وعصيبة جدا خلال عشر سنوات، ولكن ممكن أن أصف لك الأصعب وهي عندما تقرر أن تصل.. وتسير للقمة، ويتبقى لك بضعة أمتار، ثم تضطر للوقوف قبل النهاية بخطوات، وتجبر على العودة، لحظة محبطة جدا ينتابك معها إحساس ذريع بالفشل.. أعدد لك مثلا لحظة كانت في الأرجنتين، حيث اضطررت للعودة بسبب الطبيعة الصعبة للمناخ الجاف جدا آنذاك، بالإضافة للرمل الكثيف، ولم أكن قادرا على التنفس، فعدت للخيمة وشعرت وكأني أختنق.. وهنا قررت الانسحاب.. أيضا لحظة أخرى في الأرجنتين كذلك، في جبال (أكينكاغوا)، وصلت حينها على ارتفاع 6750 مترا.. ولكن جسمي لم يعد يستجب لأي شيء، وشعرت بالدوار وكنت أقف على جرف بعرض 30 سم وانحدار 80 درجة، وفي كل خطوة أشعر وكأني سأقع بهذا الجرف.. فانسحبت مرة اخرى، ورغم ذلك حملت على نفسي، وواصلت السير لساعتين، وكانت المسافة المتبقية للقمة 250 مترا، ولم استطع الاستمرار أبدا، لأني كنت أشعر بكل لحظة هي نهاية حياتي.

ولكن، رغم الصعوبة البالغة.. فإني أشعر بمتعة خاصة مع كل خطوة، حتى وعندما تكون بأقصى درجات الانهيار والتعب والعذاب والانهاك، متعة تحدي النفس، تحدي قدراتك، والانتقال من مراحل جسدية وعقلية إلى مرحلة أعلى، وفي كل منها رونقها الخاص، صدقا بدون أي مبالغة، وفي النهاية الوصول للقمة هي تتويج لكل مشقة وكل تضحية مررت بها.. ولا تنس أنه من إحدى التضحيات، حياتك.

ماذا حدث لك بتسلق قمة دينالي؟ وهل كان خطأً أم شيء لم تحسب حسابه؟ أم ماذا؟

دينالي، القمة السادسة والإحباط... كان كل شيء على ما يرام في أول 7 أيام، وتمكنا والمجموعة أن نتجاوز العواصف الثلجية، والحرارة الباردة جدا، التي بلغت 40 تحت الصفر، بالإضافة لحمل الأغراض، التي يقدر وزنها بـ 25-30 كغ... ما حدث هو أنه في اليوم السابع تمحورت مهمتنا بتسلق قرابة 300 متر وكان يوجد عاصفة ثلجية جدا قوية، وأنا لا أستطيع رؤية أكثر من 10 أمتار أمامي، أو بالأحرى دعني أقل لك كل ما أراه كان في هذه الدنيا هو الحبل الذي يربط بيني وبين المتسلق الذي أمامي، أما غير ذلك فأرى فقط أشياء بيضاء دون أي اتجاه، فكان الوضع النفسي جدا سيء، ورغم أننا استطعنا الصعود 300 متر بانحدار 45 درجة، ولكن عندما وصلنا على "الكامب" وهو الخيمة الخاصة بالمتسلقين، شعرت بتعرق شديد في جسدي وأصابع يدي متجمدة، وهذا حدث معي للمرة الثانية، ولو انتظرت 10 دقائق أخرى، لكان من الممكن أن يحدث خطر كبير لي، ولكن الحمد لله وصلت في الوقت المناسب إلى الخيمة، جاء الطبيب وفحص لي يدي، وقال لي إن الدم لا يصل لأصابعك، ثم بدأ جسدي بالرجفان، فحدث معي انخفاض في درجة الحرارة، قمت بتبديل كل ثيابي، وأخذت القليل من المشروبات الساخنة وجلست في كيس النوم الخاص، ولكن أصابعي بقيت متجمدة، وهنا نصحني الأطباء بالانسحاب، لأنه إذا بقيت بهذه الحالة، قد أفقد أحد أصابعي بنسبة 70%، فانسحبت.

عذرا، قلت لي كيس النوم الخاص!! ما هو هذا الكيس؟

سؤال جميل، أكياس النوم هي كمعطف كبير تنام بداخله، ولكن يتناسب مع حرارة الطقس، فلا تشعر بالبرد بداخله، وهي مختلفة بحسب درجات الحراراة، فلكل درجة يوجد نوع من أكياس النوم، ولكن الأفضل هو الأكياس المخصصة لـ - 40 تحت الصفر، وهذا الكيس كان معي في دينالي.. وهو يكفي حتى لو لم تكن مرتديا إلا رداء النوم (البيجاما).

وبالإضافة لذلك، الثياب كلها تعتبر ثياب خاصة للمحترفين، خفيفة جدا ولا تشعر بها في البرد أبدا، وما حدث معي لم يكن بسبب استهتاري، فقد كنت أرتدي 4 قفازات مخصصة للجليد، ولكن الظروف أحيانا قد تكون قاهرة واستثائية.

وهل ستعيد المحاولة؟

أنا ما زلت في ألاسكا، وأكيد سوف أعود مرة أخرى، لن أيأس أبدا، ولكن لا أعرف إذا كان بالإمكان الآن، سأحاول، إذا لم أتمكن سأعود في العام المقبل، فأنا أعشق التحدي.

لماذا في العام المقبل؟

كل جبل لديه موسم خاص به للتسلق.. فمثلا دينالي، موسمه يبدأ بين 1 مايو/ أيار ولغاية 15 يوليو/ تموز .. إيفرست بين 1 أبريل/ نيسان ولغاية نهاية مايو.. وهكذا.. ويجب على المتسلق أن يكون بدراية لكل المواعيد.

تحدث مثل هكذا أمور خارجة عن السيطرة بالعادة؟ حدث معك ذلك؟

كان معي مجموعة مؤلفة من 5 أمريكيين، أو دعنا نسميهم مرشدين للطريق، سمعت في الأمس أنهم قد وصلوا إلى ما قبل قمة دينالي بـ1000 متر، وكان من بينهم العديد من الإصابات، وانتهى الطعام الذي كان بحوزتهم، والريح كانت سرعتها 70 كم في الساعة، فعادوا ولم يستطيعوا أن يكملوا.. تخيل 1000 متر فقط.. هذا الجبل يعتبر مليء بالتحديات، وسيكون أكبر إنجاز عندما نصل قمته.

وهذه أمور تحدث كثيرا، ولا يوجد متسلق إلا وعاد مرتين و4 مرات بل و 10 مرات، ولكن ليس المهم بالعودة بقدر ما كان الأهم التعلم من الدروس الكثيرة التي تصادفنا في المشوار الصعب.. وكن على يقين دائما أن المتسلق الأكفئ والأذكى هو الذي يعود سليما.

أنت في طريقك إلى القمة السابعة والأخيرة... ماذا بعدها؟؟

مشروعي الحالي متابعة الوصول إلى القمة السادسة... وفي النهاية إفيرست، آخر القمم السبع... ولكن لن أقف حتى بعد القمة السابعة، لدي العديد من المشاريع.

إذا كان لديك عتب على أحد، أو أحسست بأي تقصير... فعلى من؟

ليس لدي عتب على أحد.. فقط على نفسي.. إذا فشلت، أنا المذنب.. كل الموضوع في يدي، أفشل أو لا.. دروس كثيرة تعلمتها، وهذا أهم شيء.. الفشل في النهاية (لمن يتعلم) هو نجاح.

الطريق طويل، ومشربك إن صح التعبير... من يرشدك؟ وما هذه الطائرات التي رأيتها في مقاطع الفيديو التي تنشرها؟ هل هي لمرافقتكم؟

يوجد شركات لديها مرشدين لطريق الجبل، ونحن نقوم بالتعاقد مع مثل هكذا شركات، وهذه الشركات نفسها تكون مسؤولة عن إطعامنا وتحضير الطعام، والأطعمة كلها مدروسة بعناية لأجل الطاقة وتعويض الحريرات الكثيرة التي تفقدها (بروتين وسكريات).

أما الطائرات، فهي فقط لأجل إيصالنا من المدينة إلى بداية الطريق، ثم تعود، ولا ترافقنا أبدا، ولا تقوم بأي نوع من أنواع الإنقاذ، إلا بحالة واحدة... الوفاة، وفي حال حدث معك طارئ تقوم المجموعة بإنزالك إلى الطائرة، وليس العكس، وقد حدث أمر كهذا في رحلتي الأخيرة.. شخص سقطت عليه الصخور وتوفي في وقت عجز فيه أي أحد عن إنقاذه، وأيضا سمعت عن فتاة كسرت ساقها، على ارتفاع 5000 متر.. وعادت أدراجها وحيدة رغم العواصف والظروف الجليدية، واستغرقت 3 أيام لتصل إلى مكان الطائرة.

إذا يبدأ الطريق، وتصبحون وحيدين!! ومقطوعين عن العالم الخارجي؟ ماذا لو احتجتم لأي مساعدة؟ كيف السبيل للاتصال؟

"ستاليت فون" هو صلة الوصل الوحيدة بين المتسلق وعالمه الخارجه، بواسطته نستطيع إرسال رسالة نصية صغيرة، أو تسجيل صوتي... لأنه وبمجرد وصولك للجبل، انعدمت كل أنواع التغطية.