عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

لا أقول وداعًا.. ولكن إلى لقاء قريب


ما كنت أعتقد أنني سأجلس اليوم لأعصر رأسي، وأنتقي كلماتي لأرثي أستاذ من "أستاذي صاحب فضل كبير بعد الله سبحانه وتعالى، "الأستاذ محمود العسكري"، ماكنت أتخيل أبدًا أن يكون الوداع سريعًا.. لم أنتهي من مناقشاتنا لازالت موضوعاتنا مفتوحة، لا أزال أنتظر تعليقك الدائم على ماأنشره على صفحتي "فيسبوك"، أكتب مايحلو لي، ثم أنتظر تعليقك بشكل خاص.

لست كما يعرفك الجميع معلم أجيال ومربي فاضل كما يقولون، لكنك بالنسبة لي حكيم وخبير، حكم في تصرفاتك، خبير في قراراتك، تعلمت منك الكثير.

كيف لاأتعلم وأنت من تروي التاريخ، أنت شاهد على عصور ماقبل التاريخ، إلى عصرنا الحديث، أنت صديق الفراعنة والأُسر بجميع عصورها.

أتذكر يا "أستاذ محمود" عندما كنت طالبًا بالصف الأول الإعدادي، وجلست إليك مستمعًا لأول حصص التاريخ، والجغرافيا، أي شخص أنت، أي إنسان حتى تحفظ كل هذه الأرقام، لم تتكلم إلا بالوقائع والأحداث وتختمها بالتاريخ، كنا نتعلم منك تاريخ الأجداد في شكل قصصي رائع، كنا نتفاعل ونتمنى أن لاتنتهي من شرحك وسردك للأحداث.

إنبهرت بماتقوله لنا.. لدرجة أحببت فيها التاريخ، كيف لا أحبه.. وهو يخرج من مصري محب لبلاده ووطنه، ماكنت أشعر أبدًا أنني تلميذ أطلب العلم، بل كنت دائمًا أجلس مجلس الإبن من والده، هكذا يعرف كل من درست له.

عرفت التاريخ على يديك.. رسمت الجغرافيا وخرائط مصر من على سبورتك.. أعتصر حزنًا وأنا أتذكرك.. أعتصر ألمًا وأنا أنعيك.. لا أزكيك على الله.. لكني كنت وأزال بحاجة إليك.. لدىَ العديد من الخطط المستقبلية أريدك بجانبي فيها، أريد فصاحتك أريد حضورك وتحليلك للأحداث، رحلت دون وداع أو توقع.

كنت أظنك أقوى ، لكن إرادة الله كانت، مررت بمحن كثيرة لكنك تجاوزتها بصبرك وعزيمتك وإرادتك.. أحمد الله أنك رأيت حب الجميع لك.. رأيت حب أصدقاءك.. طلابك.. أهلك.. ناسك.. الجميع كان يسأل عنك.. الكل كان يدعوا لك بالشفاء.. وهاهم الآن يدعوا لك بالرحمة والمغفرة.

أرقد في سلام، فلا تحزن، نحن سيرتك الأولى والأخيرة، إرقد في سلام فأنت تركت علمًا تنتفع به، نم في أمان فأنت تركت صدقة جارية في طلابك ومحبيك.

رسالتي لأسرتك وعائلتك، لاتحزنوا فكلنا شركاء فيه، نعم الفراق صعب، لكنه باق.. باق بسيرته المحمودة، بحضوره الطاغي الجميل، باقي في ضمائرنا.

دعني أخبرك وأصف لك قريتك بعد أن ودعتك: الجميع يبكيك.. الجميع ينعيك.. الكل يدعو لك، قريتك حزينة عليك يا "أستاذ محمود"، لأول مرة يكون المشهد علينا صعب، حزنت وتألمت كثيرا عندما سمعت نبأ وفاتك.. وأنا لست في القرية حتى أكون من مشيعيك، لكني علمت أن مشهدك الأخير كان مشرف ويليق بك.

لكني أعلم أنك حاليًا في أحسن حال، أعتقد أنك ستكتب تاريخًا جديدًا هناك..

ولعلي أسألك هل رأيت رمسيس الأول.. وأمنحوتب الثالث، هل سلمت على كليوباترا ونفرتيتي، هل رأيت رفقاء دربك.. أعتقد أنهم سيعرفونك.. ولما لايعرفونك وأنت من نشرت سيرتهم وعرفتهم لأحفادهم.. أنعم في حياتك الجديدة .. فلن نقول وداعًا ولكن إلى لقاء قريب....