عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

ومن الحب ما قتل


أن تسلب حياة أحدهم ليس بالأمر السهل، وسلب الحياة لا يعني الموت فقط، فقد تسلب حياة إنسان بالحب أيضاً! الحب قرار والجريمة أيضاً قرار، وبين هذا وذاك خيط فاصل رفيع يفصل بينهما، فكيف يتحول الإنسان بين ليلة وضحاها من أعلى درجات الحب إلى أقصي مراحل الانتقام.. وهو ما نبحث عن إجابة دائمة له، إنها رحلة محملة بالعديد من التفاصيل والأوجاع التي جعلت الجاني في بعض الأحيان ضحية وليس قاتلا.

علمياً، العنف له عدة أسباب منها وراثية وبيلوجية، إنسانياً، العنف هو عدة تراكمات وصدمات وخيبات، فوضع حد لحياة إنسان آخر يعتبر نوعاً من أنواع العقاب الشديد الذي يمارسه الطرف الثاني للتعبير عن غضبه ورفضه وسخطه لكنه يتم بطريقة خاطئة محرمة بجميع الأديان السماوية، القتل غريزة توقظها مشاعر الغضب والانتقام، وتظل ممكنة طالما هناك محاولات استفزازية من الطرف الآخر ينتج عنها نتائج كارثية تدمر أسراً بأكملها بدافع الحفاظ على الكرامة والشرف أو رد الاعتبار.

منذ عدة أيام شاهدت إحدى السيدات وهي تبكي بحرقة شديدة وتردد أنها بريئة، في البداية تعاطفت معها بشدة وكادت دموعي تتساقط، لكن بعد مرور قليل من الوقت علمت بأن تلك السيدة قامت بقتل زوجها والتمثيل بجثته، شعرت بصدمة كبيرة، فكيف لقاتلة أن تبكي بتلك الطريقة الحقيقية جداً في وقت أزهقت فيه روح أقرب الناس إليها، وطرأ إلى ذهني سؤال، كيف يتحول الحب بين ليلة وضحاها إلى جريمة؟ وهل الحب نفسه جريمة؟ كيف بالأمس عاشت تلك المرأة قصة حب أفلاطونية مع ذلك الرجل الذي أصبحت اليوم مكبلة اليدين متهمة بقتله؟ ما الذي يوصل الإنسان لاستخدام القتل بالأساس؟.

بالعودة قليلاً للوراء، نجد أن الجرائم بدأت بالحب، فمن الحب ما قتل، بدءاً من نزعة السيطرة بدافع الغيرة إلى الملاحقات المستمرة بدافع الحب مروراً بالتصعيد في الشكوك في السلوكيات انتهاءً بالتفكير في الانتقام والقتل، فمن يقتل بدافع الحب لا يفكر سوى بدافع تملكي كامل، فهو لا يريد للطرف الآخر أن يعيش بعيداً عنه أو بدونه أو حتى معه وهنا تغيب كل مراحل العقل والتفكير والمنطق ولا يحضر سوى الغضب وفكرة التخلص من الطرف الآخر الذي أصبح يشكل ضغطاً نفسياً لا يمكن إنهاؤه سوى بالقتل. لو أدرك الإنسان أن الحياة أكبر وأوسع من أن يهدرها في الغضب والتفكير في الانتقام لعاش سليم القلب والنفس وأصبح قادراً علي التكيف مع كل الظروف المحيطة حتي ولو كان واقعاً يرفضه، فمثلما بدأ الأمر بالحب كان يمكن أن ينتهي بالود، والوصول لحل منطقي عقلاني يجنبه تلك العلاقة المسمومة والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة نحو حياة آمنة أفضل لا يملأها الغضب والشك والسيطرة، يعيش فيها الطرفان بعيداً عن بعضهما البعض باحترام وحق إنساني في الحياة، ويعيش كل منهما بالطريقة التي يرغب بها.