سفير اليونان بالقاهرة في حواره لـ"العربية نيوز": الرئيس السيسي محبوب لدينا.. والعلاقات الثنائية راسخة لا تزعزعها عواصف.. واستثماراتنا وصلت 4 مليارات يورو ونتوقع زيادتها

- الشعب اليوناني يعشق السياحة المصرية.. وزيارته لن تنقطع
يعد سفير اليونان بالقاهرة " كريس لازاريس " من أنجح سفراء أوروبا المعتمدين لدى القاهرة بصفة عامة، ومن أفضل سفراء اليونان بمصر على وجه الخصوص فهو وبشهادة خبراء الدبلوماسية يعتبر المهندس الفعلى والحقيقى لتقدم وتطور وازدهار العلاقات المصرية اليونانية على كافة الأصعدة فى ضوء ما يتحلى به من رؤية ثاقبة، وبعد نظر لآفاق المستقبل وإيمانه الراسخ بأهمية أمن واستقرار مصر كدولة محورية فاعلة ومؤثرة ليس فقط فى محيطها العربى، وإنما أيضًا فى محيطها الشرق أوسطى بل والعالم.
"كريس لازاريس " والذى فتح قلبه لـ " العربية نيوز " متحدثًا بكل شجاعة عن ملفات شائكة إن كانت على صعيد العلاقات بين البلدين في ضوء ثورات الربيع العربى وما بعدها أو إن كانت على صعيد النزاعات والصراعات والحروب المتفاقمة فى المنطقة وتنامى قوة الإرهاب، وتدفق اللاجئين لبلاده وبقية الدول الأوروبية .
قال السفير " كريس لازاريس " فى بداية حواره، إن "العلاقات المصرية اليونانية وثيقة جدًا وراسخة جدًا كالجبال لا يمكن أن تهزها رياح أو عواصف أو أعاصير عاتية، لأنها أولا علاقات تاريخية تمتد لآلاف السنين، وثانيًا لأنها تستمد قوتها وحيويتها من فلسفة وحكمة الحضارة الأغريقية وعبقرية الحضارة المصرية القديمة، وفى التاريخ الحديث وتحديدًا فى عهد حكومة "محمد على" توافد اليونانيون الى مصر بكثرة وسكنوا فيها، وعملوا فى معظم الأشغال والحرف حتى البسيطة، وامتزجوا مع المصريين تمامًا وأصبحوا كالأشقاء وليس كالأصدقاء فقط.
وأوضح أنه من الطبيعي في هذه النماذج التي جعلت اليونانيون يعشقون مصر ويتمنون لها الخير دائمًا والاستقرار، وجعلت الحكومات اليونانية المتعاقبة على اختلاف ألوانها السياسية تؤيد تمامًا وجهة النظر المصرية فى العديد من القضايا فى المنطقة والعالم.

- هل تأثرت العلاقات بأحداث يناير 2011 وما أعقبها من سيطرة جماعة الإخوان المسلمين؟
نحن فى اليونان كنا نعرف تمامًا، أن المنطقة بأسرها تتعرض لعواصف شديدة قادمة من الخارج وتغذيها من الداخل، أى من داخل دول المنطقة جماعات ومنظمات وعلى رأسها التنظيمات الإسلامية، لكننا كنا نؤمن أيضًا بخصوصية الوضع فى مصر، ذلك أن مصر دولة كبيرة فى المساحة والسكان، ولها جيش قوى موحد لا يعرف أبدًا الطائفية أو المذهبية، إلى جانب أن الشعب المصرى وما خبرناه عنه طوال قرون وقرون أنه شعب يرفض الضغوط والإملاءات، وهو شعب يتسم بالوسطية والاعتدال خاصة من النواحى الدينية، لأن جماعة الإخوان المسلمين فى الحكم أثبتت فشلها الذريع على كافة الأصعدة ولم تنل رضا المواطنين خلال عام واحد فقط هو فترة حكمهم، فقد وصلت الأمور في التصعيد ضدهم لأقصاها، خاصة أن الإخوان سعوا فى شكل مكشوف وعلنى لإسقاط كافة مؤسسات الدولة إن كانت سياسية أو عسكرية أو دينية او اقتصادية، وهو ما دفع الشعب للثورة والخروج لكافة الميادين فى جميع أنحاء مصر، لإسقاط حكمهم الظلامى، ولولا استجابة الجيش المصرى لنداءات الشعب لتحولت مصر لأكبر ساحة للدماء فى الشرق الأوسط.
- وما هو موقف اليونان عندما أصبحت تركيا حليفًا للإخوان؟
كنا نعرف أن حكم الإخوان لن يدوم بالرغم من تصريحات بعض قارئهم بأنهم سيحكمون مصر لنحو 500 عام، والصحيح أيضًا أننا كنا متأكدين بأن العلاقات المصرية اليونانية نالها الإهمال والتجاهل أثناء حكم الإخوان بسبب مصالحهم السياسية والاقتصادية وأيديولوجياتهم المشتركة مع الأتراك، ولكننا أيضًا كنا نؤمن وكذلك المصريون على كافة المستويات بأن العلاقات القوية بين بلدينا لا يمكن أن تتأثر سلبًا بمثل هذه المناكفات، وصار حكم القول بأن اليونان تنفست الصعداء بانتصار المصريين على حكم الإخوان المسلمين، وكانت على رأس الدول الأوروبية بل ومن أوائل دول العالم التى أعترفت بثورة 30 يونيو فى عام 2013 واعتبارها ثورة شعبية وشرعية لا تختطفها العين، بالرغم من عناد ورفض البعض فى أوروبا لذلك الأمر لحسابات خاصة بهم، ثبت بعد ذلك خطأها.


قبل الحديث عن أشياء ملموسة على أرض الواقع، يجب أن نتحدث عن تعاون استراتيجى طويل المدى يحفظ للدول الثلاث حقوقها ومصالحها السياسية والاقتصادية فى المنطقة بما يضمن الأمن والاستقرار والتنمية، فهو تعاون ثلاثى من أجل السلام والتنمية، ومن المؤكد أن التنسيق السياسى والتطابق فى الرؤى السياسية إزاء ما يجرى فى المنطقة حولنا وفى العالم هو بحد ذاته إنجاز ملموس، فاليونان وقبرص تؤيدان مكافحة الإرهاب بشكل أكثر جدية، وضرورة عدم التميز بين إرهاب فى دولة، وإرهاب فى دولة أخرى، بمعنى نحن نؤيد الرؤية المصرية بحتمية التعامل الجدى والسريع والقوى مع الإرهاب فى المنطقة بأسرها إن كان فى العراق أو سوريا أو ليبيا أو غيرها، لأن شرور هذا الإرهاب باتت تصيب الجميع بالأذى، وتعدت هذه الشرور الحدود العربية لتؤذى دولاً أوروبية كانت تظن أنها بمنأى عن شرور الإرهاب، كما ان رؤيتنا تتطابق حول أهمية نشر ثقافة المحبة والتعايش المشترك وقبول الآخر، ونشر ما يمكن أن نسميه بثقافة الاعتدال والوسطية فى منطقة الشرق الأوسط الملتهبة بل والمشتعلة بنار المذهبية والكراهية والتشدد.

على المستوى الاقتصادى نحن شركاء جادون معًا لتحقيق التنمية المستدامة لشعوبنا فى ظل معاناتنا الاقتصادية المشتركة وإن تنوعت أسبابها نحن نسعى لتنمية التعاون الاقتصادى بيننا وكذلك الاستثمارات فى كافة المجالات، وحسبنا أن نذكر فقط أن بيننا اتفاقيات وبروتوكولات تعاون تقطع الشك باليقين فيما يتعلق بمناطق اكتشاف البترول والغاز فى قاع البحر الأبيض المتوسط، وهذه الاكتشافات تمثل رصيدًا إيجابيًا فى صالح التنمية لبلداننا وشعوبنا فى المستقبل، نحن كنا أول المهنئين لمصر باكتشافات الغاز الكبيرة فيها، ولدينا شركات تقترب من التوقيع مع وزارة البترول المصرية لتعمل فى حقل البحث والتنقيب.
كما أننا ومنذ انعقاد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى والوفود الرسمية وكذلك رجال الاعمال والمستثمرين اليونانيين، لا تنقطع عن مصر للبحث عن أفضل الفرص الواعدة للاستثمار خاصة بعد افتتاح قناة السويس الجديدة، وأستطيع أن أؤكد لكم بأن لدينا شركتين ستعملان فى منطقة القناة إحداهما فى مجال التكنولوجيا والأخرى فى الصناعات اللوجستية ,ولعل زيارة وزير النقل والمواصلات والإستثمار اليونانى مؤخرآ للقاهرة توضح مدى الجدية الجانب اليونانى ورغبته للإستثمار فى مصر ,وفى هذا الصدد يهمنى أن أشير أيضآ الى أن الإستثمارات اليونانية فى مصر فى تزايد وتعمل فى العديد من المجالات ويقدر حجمها حاليآ بنحو4 مليارات يورو ولم تتوقف أبدآ عن العمل خلال أحداث يناير أو ثورة 30 يونيو .

زيارة اليونانيين لمصر لم تنقطع بالأساس منذ اندلاع أحداث يناير 2011، ونحن نشجع اليونانيين على المجيء لمصر ونخبرهم بواقعية كيف أن مصر تنعم بالأمن والأمان والاستقرار، ولدينا أفواج سياحية كبيرة من اليونانيين ستأتى إلى مصر خلال الأيام القادمة لزيارة دير سانت كاترين للمشاركة مع المصريين والعديد من جنسيات العالم، للاحتفال بعيد القديسة كاترين فى السابع من ديسمبر القادم.
كمان أننا بصدد تأسيس لخط ملاحى يربط بين الإسكندرية وبيريا وليماسول وبيروت وهدفه الأساسى تنشيط الرحلات السياحية البحرية بين هذه الدول، خاصة أن اليونانيين بطبيعتهم يعشقون المناطق الساحلية المطلة على البحر المتوسطن كما أتوقع أن يتم توقيع اتفاقية للربط بين الموانئ المصرية والموانئ اليونانية خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى القادمة لليونان.

- وما هو الوضع بالنسبة لأزمة اللجوء والهجرة غير الشرعية التى بدأت
تهدد أوروبا كلها والاتهامات الموجهة لليونان التى باتت تشكل محطة عبور اللاجئين؟
نحن
ضد الحروب بصفة عامة وضد الإرهاب بصفة خاصة، المسافات البحرية بين الجزر
اليونانية والمناطق التركية ليست بالكبيرة، وتمثل عنصر إغراء سواء للاجئين
الفعليين الهاربين من جحيم الحرب والإرهاب فى سوريا أو أولئك المتسللين معهم من
دول أخرى، نحن بالأساس نرفض استخدام القوة العسكرية لصد هؤلاء اللاجئين أو الفارين
نعم نستطيع أن نمنعهم حتى لا يصلوا لشواطئنا، ولكن كيف ذلك وكنا نرى قوارب صغيرة
تشرف على الغرق وبها أطفال صغار ونساء.
وبالرغم
من ظروفنا الاقتصادية الصعبة جدًا إلا أن الحكومة ومعها الكنيسة اليونانية ومنظمات
المجتمع المدنى ساعدت هؤلاء اللاجئين ووفرت لهم كل ما يلزم من طعام وكساء ونترك
لهم الحرية فى اختيار الجهة التى يرغبون فى اللجوء إليها، وحسبنا فقط أن نذكر أن أكثر من 600 ألف لاجئ دخلوا اليونان من السواحل التركية فى الفترة من يوليو الماضى
حتى الآن، ولذلك نتمنى من الحكومة التركية فى ظل المساعدات التى وعدتها بها أوروبا
لكى تحد من هجرة هؤلاء وتوفر لهم كافة سبل الراحة والأمان لتقطع عليهم عوامل
هروبهم، وإن حل أزمة اللاجئين يكون بالأساس من خلال أوربا كلها بالتنسيق والتعاون
مع الأمم المتحدة والدول الكبرى وكذلك دول استقبال اللاجئين مثل تركيا ولبنان
والأردن، يجب أن نتكاتف جميعًا لتوفير سبل الأمان والراحة لهم فى مراكز إيوائهم
بهذه الدول حتى نصل جميعًا لحلول نهائية للأزمة السورية.