الطائفية والدولة
كل حزب ديني إسلامي، هو في الحقيقة حزب طائفي، ويعد حالة انشقاقية عن مجموع الأمة الإسلامية. إن هذه الحالة الانشقاقية تدعي بأن فهمها للإسلام هو الفهم الصحيح، وتدعي أنها قادرة على تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع والدولة، ويسوقون العقائد التي تؤيد دعوتهم.
ولقد ذكرنا أن ما تعقد به كل طائفة هو في الحقيقة فكر وضعي، لأننا نؤمن وهذه هي الحقيقة، بأن كل قول غير قول الله عز وجل بنص القرآن الكريم، وكل قول غير قول النبي "صلى الله عليه وسلم"، هو قول وضعي.
فالفكر الوضعي كل قول قاله بشر غير النبي، وكل فكر وضعي غير ملزم فينتج أن كل عقيدة من العقائد التي تؤمن الطوائف غير ملزمة وقابلة للصواب والخطأ، والخطأ في المسائل الدينية يجر إلى الحروب والصراعات وتخريب الأوطان كما نرى الآن. يدعي المتأسلمون وهم الطائفيون بالجملة بأنهم يريدون جعل الدولة إسلامية، وهذا شعار في حقيقته شعار زائف، ونبين ذلك في الأسباب الآتية:
أولا: فلقد تمكنت العديد من الأحزاب الطائفية، المتأسلمة، تسلم مقادير الأمور في أقطار عربية مختلفة في ظل ما سمي الربيع العربي فلم نرَ الإسلام، بل إن سياسات هؤلاء جلبت الفساد والتهتك وسرقة المال العام.
ثانيًا: إن الدولة لا تكون إسلامية، فهذا زيف، لأن الدولة مجموع مؤسسات والمؤسسات ليس مطلوبًا منها أن تصلي وتصوم وتزكي وتحج وتتصدق، إن ذلك من شأن الأفراد والجماعات، وإن الحساب في يوم القيامة لا يكون للمؤسسة أو الوزارة، بل يكون للأفراد.
ثالثًا: إن الله تعالى أمرنا بأن تكون أمورنا شورى، والمقصود بالأمور هي الأمور العامة ذات الصلة بالمصالح العامة للبلدان والشعوب والأمم. إن المتأسلمين يناقضون أمر الله تعالى في هذا، فالعرب في غالبيتهم العظمى مسلمون، فهم مشمولون بالشورى، والشورى كمبدأ حركي متغير على الدوام، بحسب تطور وتغير الاوضاع العامة، فلقد كان في العصور الإسلامية الزاهرة يقتصر على أهل الحل والربط، ولو أن ذلك لا يستند إلى آية قرآنية أو حديث نبوي، لكن مع ذلك وطبقًا للظروف التاريخية السابقة، كانت الشورى المحدودة بأهل الحل والربط لها ما يبررها، أما في العصور التالية والعصر الحالي، فإن الانتخابات والاستفتاءات وآراء المنظمات والأحزاب والمجالس النيابية، كلها تؤدي دور الشورى.
رابعًا: إن إصرار المتأسلمين على أسلمة الدولة، له معنى محدد هو بناء نظام ديكتاتوري هو بالحتم طائفي يقصي أبناء الوطن الآخرين باسم الدين، ويعني أيضًا تمكين الفقيه أو الشيخ أو المرشد، أن يحتل مكانة إلهية لا يستحقها من خلال نصب نفسه قيمًا على رقاب وشئون الناس العامة، وهو لا يعدو عن كونه فردًا من الأفراد، له ما لهم وعليه ما عليهم، وإن هذه المكانة التي يطلبونها هي مكانة خاصة بالنبي فقط.
كيف نواجه الطائفية البغيضة، والموقف من العلمانية أن رفض الطائفية تشكل ضرورة لاغنى عنها لحفظ الأوطان والأموال والأعراض، ومنع التدخلات الأجنبية باسم الولاء الطائفي.
ومن المخاطر الكبرى التي تأتي بها الطائفية، إلغاء مبدأ المواطنة تمهيدًا لإنهاء الدولة وبالتالي تمزيق المجتمع والوطن وجعله أسلابًا تتكالب عليه الأطماع من كل صوب وحدب.
إن الطائفية هي التعبير السياسي للطموحات السلطوية التي يتبناها رجال الدين، لذلك إن مواجهتها يتطلب وعيًا لمخاطرها أولا، وعدم الانجرار إلى ساحات الصراعات التي تفتعلها باسم هذه الطائفة أو تلك، وعدم الانسياق وراء ادعاءاتها، فليس كل فعل تأتي به الأحزاب الطائفية يعبر عن وجهة نظر أبناء الطائفة جميعهم.
إن الأحزاب الطائفية توحي للآخرين بأنها تمثل وجهة نظر كل أبناء الطائفة وهذا أمر غير صحيح.
كما أن رفض الطائفية لا يعني نفض اليد من الدين، بل يتطلب التمسك بروح الرسالات السماوية والإيمان بها، وعدم السماح للطائفيين باحتكار الدين يتلاعبون به كتلاعبهم في العراق ولبنان وليبيا واليمن والبحرين وغيرها.
وتتحمل المنظمات المهنية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني والشباب الجامعي وطلبة الثانوية، مسئولية خطيرة وهامة في هذا المضمار، لأنهم الفئات الأكثر حيوية ونشاط وانفتاح في أمتنا.
كما أن العمل على عدم إسباغ الشرعية القانونية والاجتماعية للاحزاب المتأسلمة ـ الطائفية ـ هدف كبير ونبيل لتطلع به كل القوى الحية في أمتنا. لقد شوه المتـأسلمون مفهوم العلمانية، رغم أنها في حقيتها لا تعني الإلحاد أو الكفر، بل تعني بالضبط "أمرهم شورى بينهم" ، بمعنى عدم احتكار رجل الدين للسلطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعليه بأن يتقيد بمجاله الدعوي والإصلاحي والإرشادي، وهي مهام كبيرة ونبيلة أيضًا.
إن أهم أسباب قيام المـتأسلمين لتكفير العلمانيين وهم مسلمون مثلهم هو تمهيد طريقهم وصولا إلى السلطة والعبث بمقدرات الناس دون قانون أو تنظيم، وبمعزل عن مؤسسات الدولة.