قمة "الهند – أفريقيا".. حلم "غاندي" لتحقيق آمال التحرر.. الظروف السياسية المتشابهة ألفت قلوب أصحاب البشرة السمراء.. السياحة والثقافة والرياضة أبرز مجالات التعاون

مع انطلاق قمة (الهند - أفريقيا) في نيودلهي، اليوم الاثنين، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى رؤساء أكثر من 40 دولة أفريقية، تحاول الهند توطيد أواصر التعاون مع دول قارة أفريقيا، من خلال تسليط الضوء على العلاقات التاريخية والدبلوماسية مع القارة الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية.
ويمثل شعبا أفريقيا والهند ثلث سكان العالم، وقد تعارف الشعبان على بعضها البعض منذ عصور قديمة، وخلال عصر الاستعمار، وقع هذان الشعبان فريسة للاستغلال والظلم، ومن ثم فقد ارتبطا معًا بمشاعر التعاطف المتبادلة، وكان لهما هدف واحد مشترك، ألا وهو التحرر من الهيمنة والتمييز.
ويرى المدير الأسبق للمجلس الهندي لشئون العالم راجيف بهاتيا، أن العلاقة التي تربط بين هذين الشعبين لا تزال تتسم بنقص الوعي وبها العديد من الثغرات التي تحتاج إلى علاج.
وتتركز العلاقات بين الهند وأفريقيا حول ثلاث محاور، وهي العلاقات بين الحكومات وعلاقات العمل والعلاقات الشعبية، ويعد المحور الثالث فريدًا من حيث أوجه عديدة، حيث تعود العلاقات الشعبية بين الجانبين إلى عصور ما قبل التاريخ، وهناك فرصة كبيرة أمام هذه العلاقات للنمو في المستقبل.
وقد أدت العوامل المختلفة مثل حب الاستطلاع والتجارة وإقامة تبادل ثقافي - بالهنود إلى الذهاب إلى أفريقيا عبر المحيط الهندي إلى السواحل الشرقية والجنوبية لأفريقيا وعبر منطقة غرب آسيا والبحر المتوسط إلى شمال أفريقيا.
كما ترك المهاتما غاندي مؤسس حركة المقاومة السلمية "ساتياجراها" في أفريقيا، بصمته على الأجيال اللاحقة من القادة الأفارقة، ولا يزال يمثل أكبر حلقة مؤثرة تربط بين الجانبين.
ويقدر عدد الهنود المهاجرين في أفريقيا بحوالي 2.6 مليون شخص، ينتشرون في 46 دولة، ويمثل هذا العدد حوالي 12% من إجمالي الهنود المهاجرين في العالم، ويتركز معظم الأفراد الذين ينحدرون من أصول هندية في دول جنوب أفريقيا وموريشيوس وجزر ريونيون وكينيا وتنزانيا وموزمبيق.
ولم تكن الهجرة في اتجاه واحد، فقد قام الأفارقة أيضًا بالهجرة إلى الهند، ومن أشهر الأمثلة على ذلك مجموعة (سيدي) العرقية التي انحدرت من قبائل (بانتو) في جنوب أفريقيا، وجاءوا إلى شبه القارة الهندية عن طريق المستعمرين البرتغاليين والتجار العرب.
وخلال الفترة أكتوبر - نوفمبر 2014، أتيحت للهنود فرصة نادرة للاستمتاع بمشاهدة معرض خاص بعنوان "الأفارقة في الهند: إعادة اكتشاف"، الذي ألقى الضوء على "التعايش بين الهنود والأفارقة منذ العصور القديمة"، وحاليًا يعيش عدد كبير من الأفارقة في الهند، حيث يلتحقون كطلاب بمختلف المؤسسات الأكاديمية وكمتدربين في البرامج المهنية في العديد من المجالات.
وفي ظل العولمة، يمثل السياح الأجانب سفراء مؤقتين لبلادهم، ويوفرون مصدرًا هامًا لزيادة الدخل، وتشهد أعداد السائحين الهنود الذين يتوجهون إلى الدول الإفريقية زيادة بمعدلات بطيئة لكن مضطردة، والهند أيضًا مؤهلة لاستقبال أعداد أكبر من السائحين الأفارقة.
كما برز دور الفن والثقافة كوسيلة للتقريب بين الشعبين سواءً من حيث المدى أو التأثير، فقد وصلت الأفلام والفنون والرقص والموسيقى والأدب والحرف الهندية إلى كافة أنحاء أفريقيا تقريبًا، فكثير من المصريين يحفظون أغاني الأفلام الهندية، وما أن يذكر اسم الهند في السودان حتى تسمع أهل السودان ينشدون أغاني بوليوود المفضلة لديهم.
ولا يجب إغفال أثر الثقافة الأفريقية في الهند، فعندما تزور فرق الرقص أو الموسيقى الأفريقية المدن الهندية، فإنها تترك انطباعاً لدى الجمهور، وما نحتاج إليه هو تعريف المشاهد والمستمع الهندي أكثر فأكثر بالتراث الثري للثقافة الأفريقية، ويجب أن نولي مزيدًا من الاهتمام لتعزيز التعاون الثقافي بين الجانبين.
وتعد الرياضة كذلك أحد الأواصر القوية التي تربط بين الجانبين، وتمثل لعبة الكريكيت أشهر تلك الأواصر، وكذلك كرة القدم، ويمكن للرياضيين الهنود تعلم الكثير من أقرانهم الأفارقة، فيما يتعلق بالسباقات الرياضية وخاصة سباق الماراثون.
ويرى بهاتيا "إن من القيود الكبرى على تطوير علاقات أوثق بين الهند وأفريقيا غياب المصادر المباشرة للمعلومات لدى كل من الجانبين عن الجانب الآخر وعدم كفاية التغطية الإعلامية، ففي كل من أفريقيا والهند، يفشل الإعلام في أن يلعب الدور اللائق به، ومن ثم يعرف الهنود والأفارقة عن بعضهما البعض من المصادر الغربية بشكل أساسي ، يجب أن يتغير ذلك، إننا بحاجة إلى معرفة بعضنا البعض بشكل مباشر، وليس من خلال عدسات طرف ثالث".
وللمجتمع المدني أيضًا دور يلعبه في تشجيع التفاهم والصداقة على المستوى الشعبي، فالمنظمات التي تعمل في مجالات التعليم والرعاية الصحية ورعاية العمال وتمكين المرأة وقضايا الشباب وقضايا البيئة بحاجة إلى استكشاف فرص الحوار والتعاون، ومن المطلوب تحقيق زيادة كبيرة في كم ومدى مثل هذه التبادلات.
وطرح بهاتيا اقتراحين، يتمثل أولهما في حث البعثات الدبلوماسية الأفريقية في نيودلهي على تأسيس مؤسسة صداقة أفريقية -هندية والتعاون معها من أجل تعزيز العلاقات الشعبية، وثانيهما تأسيس شبكة مفكري الهند - أفريقيا، حيث يمكن لمؤسسات مثل المجلس الهندي لشئون العالم ونظام البحث والمعلومات للدول النامية أن تبدأ العمل في هذا المجال.