أطفال "زنا المحارم" كوم لحم من رحم القذارة.. ضحية: "أخي عاشرني جنسيًا ثلاث سنوات".. آخر: "خالتي أغوتني بفساتين مفتوحة.. وأمي وافقت على علاقتنا".. والمصير إما القتل أو البيع

"حملت سفاحًا من أبي".. "أخي كان يعتدي عليّ منذ الصغر".. "نفسي أشوف بابا.. أنا ماعرفوش"، "ولدت ابنتي ورمتها في الزبالة.. خفت حد يعرف"؛ كلها جمل مقيتة وردت على ألسنة أمهات وأطفال عاشوا مأساة أخلاقية ونفسية؛ سببها لهم الاعتداء الجنسي من قبل ذويهم.
وقائع تقف عند أبواب "محاكم الأسرة" تستجدي من القانون شفقة؛ تعاني من ويلات أفعال جناة تجردت قلوبهم من أي معاني للشرف أو النخوة.. مريض تسول له نفسه الضعيفة، أن يهتك عرض أهل بيته ليخلف من بعده خلفًا حائرَ المصير ومنكس الرأس.
ضحايا تلك العلاقات لا يُنظر لهم على أنهم ضحايا كالجناة؛ بعضهم يتم قتله للتخلص منهم والبعض الآخر يُلقى به في الشارع؛ ليعاني ويلات التشرد والعجز؛ لأنهم في نظر الكثير وصمة عار في مجتمعنا المحافظ؛ وآخرون يستغلون هؤلاء ويبيعونهم للمحرومين من الإنجاب.
حالات تتحدث عن نفسها
"العربية نيوز" حاولت الالتقاء ببعض الأمهات والأطفال الذين نجحوا في إيجاد دور للرعاية، وفيما يزال البعض الآخر مشردًا يعاني نظرات الذل والعار، التي تلاحقهم ولا يجدون وسيلة حتى لكسب العيش أو الحماية؛ لنتعرف ما مصير هؤلاء الأمهات والأطفال؟.
تقول "نورا.ع" التي هربت من قلب الصعيد لتختفي في زحمة القاهرة، والتي لم يتجاوز عمرها الـ17 عامًا؛ وكان أخوها يقوم بالاعتداء عليها بوحشية طيلة ثلاثة أعوام، وخافت أن تخبر أحدًا خوفًا من العواقب أو كما قالت "أهلي كانوا قتلوني"، وذلك حتى حملت منه سفاحًا .
فتكمل وصوتها لا يخلو من الأسى، أنها كانت مغلوبة على أمرها لا تعلم كيف ستواجه الأمر، وكيف تخبر والدتها بما فعله أخوها بها، فمن الممكن أن يقتله أهلها، وتكمل: "هربتُ من أهلي إلى زحمة القاهرة، ونمت أيامًا على أرصفة الشارع في برد الشتا، وفي أحشائي ابني الذي كنت أود لو أقتله قبل أن يولد، وظللت على هذا الوضع اتنقّل من شارع إلى آخر لا أجد ملجأ لي، حتى قامت إحدى دور الرعاية الخيرية بإيوائي؛ وقد حررتُ محضرًا بالحادثة، ثم تم نقلي إلى دار لتأهيل النساء ممن تم الاعتداء عليهن.
وفي الدار، تعرّفت على موظف تفهّم أمري وظروفي وعرض عليّ الزواج، ومتقبل لوجود طفل معي؛ ولكنها تحاول ألا يكون وليدها مجهول النسب وتسعى في إجراءات قيده دون جدوى، ولا تدري ماذا ستخبره عندما يكبر ويبدأ بسؤالها عن هوية أبيه؛ وماذا إذا علم أن أبيه هو خاله؟.
وتحكي "م.ا" 27 سنة، مأساتها فتقول إن عمها كان يتحرش بها بعد وفاة أبيها، وعندما هددته بأنها ستفضحه قال لها: "ومين هايصدقك؟ وكان على حق فلم يصدقني أحد حين حملت منه إلا بعد أن اعترف هو بفعلته، فما كان من أسرتي إلا أن قام عمي بقتل الطفل ورماه في الترعة، واعتقد أنه بذلك يقتل الفضيحة ويخفيها فهربت من الأهل إلى دار للرعاية؛ واشتغلت فيها".
دائمًا الأطفال ضحايا للمجتمع وبعضهم ضحايا لقسوة قلوب أمهاتهم؛ كما حدث مع "شيماء" 24 عامًا، والتى وقعت ضحية لذئب بشري قام بإغوائها باسم الحب ووعدها بالزواج إلى أن أوقعها في علاقة، وأنجبت منه ابنة ولدتها ميتة، فذهبت إلى إحدى صناديق القمامة وألقت بها، إلى أن عثر عليها جامع القمامة بمنطقة منشية ناصر، وحرر محضرًا بالواقعة؛ وتم إلقاء القبض عليها ومحاكمتها.
أما "يوسف" فهو طفل في السادسة من عمره يعيش في إحدى دور الرعاية يلعب مع الأطفال مرة، وينظر عبر النافذة في انطواء مرة أخرى، ربما كان يفكر في والديه الذين لم يراهما ولا يعرفهما؛ وتقول جيهان علي الاخصائية النفسية والمسئولة عن حالة يوسف، أن والدته أحضرته إلى الدار، وقالت إنها تعرضت لحالة اغتصاب جماعي، ولا تملك دخلًا حتى تأوي الطفل، وذهبت ولم نراها مرة أخرى؛ وعندما كبُر يوسف بدأت اسأله عن أمه وأبيه ودائمًا ما يتردد على لسانه أسئلة عن أبيه، ويقول "نفسي أشوف بابا وماما"، وأحيانًا اضطر إلى التحدث معه عبر الهاتف على أنني والدته حتى يعود له الحياة ويعود للعب والابتسامة.
ويعترف شاب في السنة الثالثة من المرحلة الثانوية، بأنه ينتمي إلى أسرة كبيرة العدد، مات عائلها، وقال إن له خالة ورثت عن زوجها أموالا كثيرة، فسألتها أمه أن تخفف عنها العبء وتأخده ليقيم معها، ووافقت الخالة وعاش معها بضعة أشهر دون أن يلاحظ شيئا عليها في سلوكها أو مظهرها، ولكنها أخذت تتغير فأصبحت ترتدي ثيابًا مفتوحة شفافة، ثم أخذت تتودد إليه وتستثيره إلى أن دعته لمعاشرتها فاستجاب، وكان المقابل إغداقها عليه وعلى أسرته من مالها، والغريب أنه عندما فاتح أمه توسلت إليه أن يبقى مع خالته حتى لا توقف المساعدة.
تقصير من القانون والدولة
القانون أيضًا لم يستطع حماية حقوق مجهولي النسب؛ بل على العكس قام بالتضييق عليهم، ومنع استخراج البطاقات أو استخراج شهادات الميلاد؛ إلى وقت قريب، وتم تعديل بعض أحكام قانون الضمان الاجتماعي137 لسنة 2010 واستبدال الفقرة الثانية الخاصة بتعريف اليتيم لتصبح "كل من توفى والده أو مجهول الأب أو الأبوين".
وتقول دكتور سعاد عثمان أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، قلة اهتمام الدولة بهولاء الأطفال والتهميش الذين يتعرضون إليه إلى جانب نبذ المجتمع لهم يخلق منهم أشخاض غير أسوياء، ليس لديهم القدرة على التعامل السليم مع المجتمع، وستكون لهم ميول عدائية حيال المجتمع؛ نتيجة لنشأتهم وقيم وعادات المجتمع أو ميول انتحارية لإحساسهم بالنقص واحتقار المجتمع لهم.
"الدولة تجهل تمامًا هؤلاء الفئة من الناس، بل وتعتبرهم وبالا عليها"، بهذه الكلمات تبدأ هدى ثابت اخصائية اجتماعية في إحدى دور الرعاية، وتـأهيل النساء، وتكمل فتقول: "إن الدولة لا تقوم بحماية من يتعرضن للاغتصاب، وخاصة إن كان المعتدي من الأهل أو حملن سفاحًا؛ وما يفعله الضابط المحرر للمحضر، هو تحويل المجني عليها إلى إحدى دور الرعاية؛ وإن كانت لديها طفل تحول إلى إحدى دور الأيتام وحينها تحرم الأم من طفلها وتزيد المعاناة عليها".
من ملفات محاكم الأسرة ومحاضر الأقسام
محاكم الأسرة مليئة بالحالات والمآسي وصرخات فتيات وأطفال ضحايا لشهوات الجناة، منها فتاة منيا القمح، التي اغتصبها والدها وقد كان أن أمرت النيابة العامة بمركز منيا القمح بالشرقية، حبس الأب المتهم بالاعتداء على ابنته جنسيًا، وأنجب منها مرتين والتخلص من الجنين؛ وكشفت التحقيقات في المحضر رقم 2876 إدارى منيا القمح، قيام الأب 45 سنة نقاش، بمعاشرة ابنته منذ 10 سنوات وأنجب منها طفلين بعلم أعمامها، وبعض أفراد العائلة وتهديدهم لها بالقتل إن فضحت الأمر.
ومنها بنت الشرقية التي حملت من جدها الذي ظل يعتدي عليها، حتى قبل زواجها وتغاضى الزوج الذي كانت بينه وبينها قصة حب دامت لسنوات عن عدم عذريتها.
إلى أن جاء حملها الثاني وضغط الأهل على الزوج لعمل تحليل "DNA" الأمر الذي أثبت أن ابنتها لم تكن من زوجها ولكنها من الجد؛ ما أدّى إلى طلاقها ورفع قضية إنكار نسب من قبل الزوج، بعد أن أخذ ابنها الثاني وقضت محكمة الأسرة بالزقازيق في الدعوى رقم 1633 بنفي نسب الطفلة "ردان" عن الزوج لكونه أب غير طبيعى لها وغير قانوني، وما يترتب على ذلك من آثار وأصبحت ابنتها حاليًا مجهولة النسب ولا تدري ماذا تفعل.
المتاجرة بأولاد "الزنا"
بجانب التشريد والنبذ المجتمعي هناك أيضًا المتاجرة فيهم وهناك عصابات متخصصة في ذلك، وملفات الشرطة تعج بحكايات كثيرة عن أناس تتاجر بالأطفال، وخاصة أطفال الزنا؛ وكانت الأشهر في المتاجرة "صباح" امرأة خمسينية في الإسكندرية، تم إلقاء القبض عليها بتهمة المتاجرة بالأطفال؛ وعند التحقيق معها اعترفت بأنها كانت تأخذ أطفال الزنا، وتبيعهم وتكسب من وراء الطفل الواحد 2000 جنيه.
ولم تكن "صباح" هي الوحيدة التي كانت تتاجر بأطفال الزنا والمشردين بل هناك كثيرون يعيشون على المتاجرة بالأطفال.
"الحاج متولي" كما كان يسمونه في منطقة سكنه بالسيدة زينب، وكشفت التحقيقات في المحضر رقم2965 إدارى السيدة زينب، إلى أن "متولي" اشترك في بيع الأطفال والمتاجرة فيها، حيث بدأ الأمر معه حينما رأى سيدة ترمي بطفلة في صندوق قمامة، فأخذها وقام ببيعها وتوالت صفقات بيعه لأطفال الزنا الذين يلقون في الشوارع وفي الملاجئ، وذاع صيته بين الأوساط وبدأ يبيع الأطفال لكل محروم عقيم؛ إلى أن تم القبض عليه وحُكم عليه بـعشر سنوات مؤبد.
رصد المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لـ"الظاهرة"
الظاهرة غريبة على مجتمعنا المصري المحافظ، إلا أن الإحصاءات جاءت صادمة وغير متوقعة؛ فتشير إحصاءات مركز البحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن حوادث اغتصاب المحارم حوادث ليس بجديدة؛ فقد سجّل المركز أول حادثة اغتصاب حدثت بمحافظة الدقهلية 1998 التي ارتكبها أب في حق ابنته العشرينية وهو مخمور؛ فحملت منه سفاحًاً، ولما علم قام بقتلها وهي حامل؛ أبلغت الأم الشرطة وتم معاقبة الأب بالأشغال الشاقة المؤبدة، إلا أنه قام بمعاقبة نفسه وشنق نفسه؛ لتسجل كأول قضية "زنا محارم" .
بدأ المركز في رصد الظاهرة وتتبعها في كافة المحافظات؛ وفي آخر تقرير أخرجه المركز مايو2015 توصل إلى أن اغتصاب المحارم ينتشر في الأرياف والمناطق العشوائية بالقاهرة 40%.
وتكثر حالات "زنا المحارم" بين الإخوة دون سن العشرين، فقد رصدت 348 حالة اغتصاب محارم من الإخوة دون سن العشرين؛ و59 حالة من أشقاء الأب والأجداد و24 حالة من أبناء الأشقاء والشقيقات في محافظتي الشرقية والبحيرة .
وأن 24% ممن ارتكبوا جرائم "زنا المحارم" من الطلبة، و25% منهم من العاطلين أما الحرفيون فلم تزد نسبتهم عن 5.2%، والمهنيون 5.8% والتجار 10% أما الموظفون فتصل نسبتهم إلي 11%.
كما أن العديد من دراسات المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أثبتت أن جرائم "زنا المحارم" تصل إلى 20% في المسكن الذي يتكون من غرفة واحدة في حين ارتفعت إلى 31% في غرفتين، تليها نسبة الإقامة في ثلاث غرف لتصل إلى 28% ثم الإقامة في أربع غرف تصل إلى5.15%.
وقام الدكتور محمد عبدالرحمن الباحث الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، بمطالعة هذا الموضوع من خلال دراساته وعيناته التي أجراها في هذا الموضوع حيث قام عبدالرحمن، بدراسة للحصول على عينة عشوائية من الجرائم التي جرى الإبلاغ عنها على مدى خمس سنوات في مصر، فوصلت عدد الحالات إلى 200 حالة شملت كل أشكال العلاقة من زنا بين الأب وابنته، وبين الأخ وأخته، والأم وابنها إلى زنا بين العم وبنت الأخ، والخال وبنت الأخت، والعمة وابن الأخ والخالة وابن الأخت، إلى آخر 18 نمطًا من العلاقات المحرمة.
وأشار إلى أن "الظاهرة تنتشر في الأسر تقيم في غرفة واحدة التي تمثل 33% من الأسر المصرية بمتوسط 7 أفراد، فلك أن تتصور ما يمكن أن يحدث بين هؤلاء الأفراد ما بين ذكور وإناث، فالازدحام في المسكن يؤدي إلى تلاصق الإخوة والأخوات أثناء النوم ما يحرك لديهم المشاعر الجنسية فيدفعهم إلى إقامة علاقات جنسية فيما بينهم" .