عاجل
الثلاثاء 27 مايو 2025
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

المُرجف يزيد الصايغ.. ثمة علاقة بين ظهور طائر السمان وهندسة خريف جديد للمنطقة

يجدد المرجفون عبر الزمن أساليبهم ووسائلهم لتصبح عصرية أكثر، ولا خلاف على أنهم من بين الطوائف المستفيدة من التكنولوجيا والعولمة التي حققت لهم الانتشار وجذبت إليهم مستمعين جدد من كل مكان، وإن ظلوا على عهدهم الأول منذ بدء الخليقة وهو اختلاق الأكاذيب وصناعة الخوف والإحباط وتزييف الأمور وتبديلها، ودوافعهم وراء هذه الأفعال أمراض الحقد والنفاق التي تسكن نفوسهم، وهي أمراض لا تُسكنُها سوى مشاهد انتشار الفتن والفوضى والانقسامات ودخول الأعداء من عيوب أهل الدار وليس من حدودهم.

الباحث الفلسطيني يزيد الصايغ، ذو الـ 70 عامًا، لا يخجل أن يكون واحدًا من أبناء هذه الطائفة، وهو ضمن آخرين ما بين باحثين وكتاب وإعلاميين عرب، أسلموا أنفسهم لمشروع ظاهرة التغيير وباطنه أن يتقابل أبناء الوطن الواحد وجهًا لوجه، فيقتلون ويقتلون في قتال فتنة تحت عشرات الرايات والمزاعم والحجج التي لدى القتلة والمقتولين، وهو مشروع أعدت له الصحف والفضائيات ومراكز الأبحاث والدراسات، وهذه الأخيرة بدلًا من أن تلعب دورًا إيجابيًا في تقديم الحلول والبدائل للمشكلات التنموية والاجتماعية، أصبحت تشير بتركيز إلى الشروخ المطبوعة على جدران بعض الأوطان وتقترح تقنيات توسيعها لتتحول إلى شقوق تنهار معها الجدران ويصير أبناء الوطن بالهواء الطلق دون ساتر من عواقب الطبيعية ومن يعيشون بالطبيعة.

هذا المشروع أيضًا نُظمت له مدرسة من مدارس فن الكلام، لها أسلوبها المميز، وعين لها مديرًا وناظرًا وسكرتارية ومدرسين وسعاة وعاملين نظافة (مع كامل التقدير للمهن الإنسانية)، ومن الطريف أن بعض هؤلاء العاملين بتلك المدرسة عند متابعة أعمالهم يلاحظ أنهم يؤمنون فعلًا بكونهم مُصلحين مُعتدلين وتلك صنعة لا يجيدها سوى حرفية الكلام، وبالطبع يزيد الصايغ منهم، وأحمد منصور منهم، ووضاح خنفر منهم، وخديجة بنت قنة منهم.. والقائمة تطول.

 

هل هو خريف جديد يا طائر السمان؟

الباحث يزيد الصايغ الذي يقيم ببيروت، نشر مؤخرًا تقريرًا مطولًا عن الأوضاع بمصر، أتي ضمن المادة التي يكتبها لصالح مؤسسة كارينجي للسلام، وللمصادفة عندما دخلت للموقع الإلكتروني للمؤسسة المذكورة - وهو دخول روتيني ولكنه جاء مبكرًا هذا الشهر بعد الضجة التي أحدثها التقرير - وجدت موضوعًا آخر يتصدر الصفحة الرئيسية للموقع، كتبته ماري فوريستييه، عنوانه: إعادة بناء الدولة السورية: انطباعات من الميدان، وبعد الفراغ من قراءة الموضوع الذي وجدته دون ترتيب وكان تزامن مع إعلان دولة الاحتلال الإسرائيلي الحصول على ملف جاسوسها السابق بسوريا، إيلي كوهين، الذي أعدمته سلطات دمشق سنة 1965، وجدتني أجري ربطًا بين سقوط نظام الأسد 2024 وسقوط الاتحاد السوفيتي 1991، وسبب الربط أن سقوط نظام الأسد فتح الطريق أمام استباحة ما بباطن الدولة السورية ومنها وثائق جهاز المخابرات، كما أن سقوط الاتحاد السوفيتي أتاح لـ هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، أن يضطلع على وثائق موسكو خلال مفاوضات الوفاق السوفيتية - الأمريكية مطلع السبعينيات بعهد نيكسون، ولقد كتب كيسنجر ذلك بمذكراته التي صدرت بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بعامين مبديًا دهشته بأنه لم يكن يتوقع أبدًا قبل عشرين سنة خلال إدارته هذه المفاوضات حدوث الأمر، ولكنه حدث.

وخروجًا عن النص، فُتحت خزائن الأسرار السوفيتية لأبعد حد بعد الزلزال السياسي الذي تداعت على إثره الدولة السوفيتية وسقطت بطريقة مهينة والقرن العشرين والألفية الثانية بعد الميلاد يسيران نحو الغروب، ولا قامت بعدها دولة أقوى مكان الدول السوفيتية.. ولا حل السلام والأمن بالعالم، وحروب البوسنة والهرسك وزوال دولة يوغوسلافيا ثم انتشار الإرهاب الراديكالي بأنحاء المعمورة، أدلة من التاريخ المعاصر، والتاريخ هو مختبر المستقبل، وبالتالي من أنفقوا عشرات المليارات لأجل وصول سوريا لوضعها الحالي لن ينفقوا المئات لإعادة إعمارها أيتها السيدة/ فوريستييه.

بالعودة إلى الباحث يزيد الصايغ، لا يستطيع هذا المقال أن يفترض حسن النية تجاه الرجل عضو منظمة التحرير الفلسطينية الأسبق ذو الوجه النحيف، أولًا من منطلق أن الحياد ليس واردًا في أمور الدنيا أيها المصلح يزيد، والثاني أن ما يحدث بمصر شأن أبنائها أولًا وأخيرًا الذين يحملون جنسيتها، وثالثًا لأن الرجل الذي مصدر رزقه هذه الكتابات لا يمل من استخدام قوالب الدراسات المعلبة المستوردة من الخارج والتي لا تناسب طبيعة الأسواق والمستهلكين الموجهة إليهم، إذ قد تصيبهم بالأمراض بدلًا من أن تحقق لهم منافع، ولعل الباحثين الذين يأخذون بهذه القوالب لم يرقوا حتى لمستوى بعض المؤلفين المعاصرين الذين نزلوا لأرض الواقع ونقلوا ما شاهدوه بحرفية ومصداقية.

سوء النية تجاه كتابات يزيد الصايع كذلك يرجع لأمر آخر هام، هو أن أوراقًا صارت تتكشف لكل مراقب يومًا بعد يوم تشير لمحاولات بعض الأطراف هندسة خريف جديد للشرق الأوسط والمنطقة العربية، ويقال: عندما ترى طيور السمان بالسماء فاعلم بقدوم الخريف، وهذا يزيد الصايغ، أحد طيور السمان ولقد رأيناه يطير بالسماء. بالمناسبة سمعت قبل فترة ليست بالبعيدة مسؤول مصري سابق كبير يتحدث عن دخول المشروع الخارجي لإعادة تشكيل الشرق الأوسط والمنطقة العربية، مرحلته الثانية، وبحسب هذا المسؤول تستهدف هذه المرحلة بالأساس منطقة الهلال الشام أو الهلال الخصيب (هكذا قالها).

كان ظهور أحمد الشرع ذات صباحٍ شتوي بقصر الحكم بدمشق، ودعم بعض الأطراف الإقليمية الهائل له، علامة على وجود تراضي غربي مع بعض الأطراف الإقليمية على عودة اللعب بورقة الإسلام السياسي المزعوم بأنه مرحب به طالما كان معتدلًا، ثم تعززت هذه العلامة بعلامة أخرى تتمثل في خروج روبرت ستيفن فورد، الدبلوماسي الأمريكي السابق، ليعلن أنه ساهم بتجهيز الشرع لتولي حكم سوريا منذ سنة 2023 التي يفترض أن جو بايدن كان رئيس الولايات المتحدة حينها، ومما يعني أن مشروع عودة اللعب بورقة الإسلام السياسي يجري تحت إدارة المؤسسات الأمريكية وليس فقط تحت إدارة من يسكن بالبيت الأبيض مع عودة الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط، ولكن بنفس الأدوات القديمة!.

هنا يطرح السؤال نفسه: ماذا ستقدم ورقة الدين للشعوب العربية والشرق أوسطية في زمن تقدم التكنولوجي وتراجع الأيديولوجي؟.. وما الغرض من جعلها البديل الدائم لحكم شعوب المنطقة؟.. وهل يمكن أن تقدم شيئًا آخرًا غير تكريس انقسامات بدأت منذ زمن علي ويزيد واستمرت بزمن العثمانيين والصفويين وظلت النيران مشتعلة لزمن الذكاء الاصطناعي؟!.

هل نحن يا يزيد الصايغ في حاجه لغير المسلمين لكي يأتوا لنا بالإسلام أو يفرضوه علينا بحد الكلاشينكوف.. أو عفوًا بحد الـ M16؟!.

بالمناسبة تصارع العثمانيين والصفويين بورقة الدين، جعلهم يهملون مراقبة النهضة الأوروبية، ثم تصارع العثمانيين بعد ذلك فيما بينهم ولعبهم بورقة الدين جعل الفجوة بين الغرب والمشرق الإسلامي الذي كان مسؤوليتهم حينها، تصل لمئات السنين الضوئية، ثم دخلت أسطنبول المريضة الحرب العالمية الأولى بجيش وعتاد وخطط وعقول قادة من القرن الثامن عشر أمام إمبراطوريات أوروبية من القرن العشرين.

 

أما بعد.. ماذا يحدث حاليًا في مصر؟

ماذا يحدث حاليًا في مصر يا يزيد الصايغ؟.. هل هو بناءٌ أم هدم؟.. تكفي جولة داخل سيارة مدتها 60 دقيقة بمدينة القاهرة وضواحيها الآمنة جدًا ليكتشف المتجول حجم وسرعة البناء الجاري بمصر، ومدينة القاهرة نموذجًا أو عينة تعكس ما يجري بباقي محافظات الجمهورية، القبلية منها والبحرية (الجنوبية والشمالية).

القاهرة القديمة تتحول من القبح والإهمال نحو الجمال والاهتمام، بنت المعز تمر بالمراحل التي تمر بها العروس يوم زفافها لتخرج على الحضور في قمة تألقها وأناقتها.. بنت المعز ودعت العشوائيات التي طالما كانت مادة إعلامية بفضائيات المشروع الذي يخدم فيه يزيد الصايغ وأبناء طائفته، وعودة القاهرة تأتي ضمن عودة القوة الناعمة لمصر التاريخية، ولهذا الأمر مرارته لدى المرجفون والسائرون بمواكب النفاق.

محافظات مصر الأخرى تعيش حالة مماثلة لحالة القاهرة.. من ينكر ما يجري بالساحل الشمالي حيث كانت ترقد تحت الرمال ألغام الحلفاء وجيوش المحور بانتظار أن تلدغ أبناء الأرض الفقراء، ولقد أزيلت الملايين منها بمعرفة سلاح المهندسين المصري بعدما سئمت الدولة من مماطلة المسؤولين عن زراعة هذا الموت بالدول الغربية وتصحيح خطيئتهم والتصرف بمسؤولية قبل كل شيء بـ إنسانية.

اتجه جنوبًا أو شمالًا.. غربًا أو شرقًا، لن ترى سوى العمل سهران بالبلاد.

 

البنية التحتية.. الحجر والبشر

لماذا يضيق صدر المرجفون من مشروعات البنية التحتية بمصر؟!.. هل ستأتي استثمارات أجنبية لأي دولة دون وجود بنية تحتية؟!.. البنية التحتية صارت أرضًا لحروب العصر ومجال لعمل أجهزة الخدمة السرية، والتطور بهذه الأرض صار بسرعة وكثافة رحلات رجال الأعمال الذين يأتون من الغرب للشرق والعكس وتملأ طائراتهم السماء.

والبنية التحتية كما تضيف لقدرات الدولة منشآت تحت الأرض وفوق الأرض، تضيف الخبرات للعناصر المصرية المنفذة للمشروعات والمشغلة لها ضمن ما يعرف بـ رأس المال البشري الذي يولد وينمو ويزدهر بالاحتكاك. قابلت منذ فترة مهندسًا مصريًا يعمل بالشركة الفرنسية المشغلة للخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة، وبعد مناقشة معه اكتشفت حيويته الفكرية وإدراكه للتحولات الجارية بالعالم بمجال عمله وبالمجالات الأخرى.

قرأت أيضًا بالأمس تقريرًا أعدته بلومبيرغ عن الرسوم الجمركية الأمريكية، وما إذا كانت هي الحل الأنسب لإنعاش قطاع الصناعة الأمريكي العملاق جدًا في مواجهة قوة القطاع الصيني المناظر والقادم بسرعة، وخلص التقرير إلى أن الخيار الصيني ويتمثل في جذب الاستثمارات الأجنبية عبر تجهيز البنية التحتية هو الحل الأفضل.

والصين تجربة جيدة، فهي دولة خرجت من تجربتها الذاتية القاسية دون أن تكسر نفسها، وبالتالي أصبحت قادرة على استكمال مسار طويل لا ينتهي.. وهذا ما نتمناه لبلادنا أن لا تكسر.

وفعلًا.. ما البديل عن الإنفاق واستمرار الإنفاق على البنية التحتية؟.. بالتأكيد لن يكون سوى خروج المزيد والمزيد من الاستثمارات الأجنبية وتخلف الحجر والبشر وهذا الأخير سوف يهرب للبحث عن فرص بالخارج.. من حينها سوف يبكي على اللبن المسكوب؟.

 

صفقات الخليج.. استثمارات بالنهاية

يزيد الصايغ تطرق لصفقات مصر مع بعض الدول الخليجية واعتبر أنها أنقذتها من السقوط، ولا يختلف اثنان على أن بعض صفقات القاهرة مع العواصم الخليجية بالسنتين الأخيرتين قد خففت من الأزمة الاقتصادية الضاغطة، لكنها تظل بالمحصلة صفقات رابحة لكل الأطراف، لمصر التي سوف تشهد انتعاشة سياحية غير مسبوقة باعتبار أن هذه الصفقات سياحية وعقارية بالأساس، وللدول الخليجية التي من صميم حقها الاستفادة من استثماراتها الخارجية لأقصى قدر ممكن، وبالتالي هذه الصفقات عبارة عن استثمارات بالنهاية عند تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة.

 

الديمقراطية طريق

لن يخلو كلام يكتبه أبناء طائفة المرجفون التي ينتمي إليها يزيد الصايغ عن مصر دونما يحشر فيه موضوع الديمقراطية، والديمقراطية طريق يبدأ بالتنوير - وربما الآن بالتكنولوجيا - وفي الحالتين سوف تصبح الورقة البديلة - الإسلام السياسي - ليست ذات قيمة بالمجتمعات، بل عبء يجب على المجتمعات لفظه والتخلص منه.

وعمليًا يا يزيد الصايغ.. هل ستسمح دول المنطقة بقيام ديمقراطية بمصر؟!.. تذكر إذا اهتزت مصر اهتز محيطها.. وإذا أسلمت مصر أسلم محيطها.

إذًا هل ستوجه الأموال والأقلام والاستديوهات وصفحات التواصل الاجتماعي والمحللين وأبناء طائفة المرجفين لإنجاح التجربة أم لإفشالها؟.. هل تعرف ماذا سوف يعني فشل التجربة؟.

 

مقارنة بسيطة بين مصر ومحيطها

يزيد الصايغ يتهم في تقريره رئاسة الدولة بالتغول على صلاحيات القضاء، وهذا موضوع لن يكون محل جدال عبر الكلمات لأنه الأنسب عندما يتعامل الفرد مع الطائفة التي ينتمي إليها الصايغ أن يعقد المقارنات لأنها تسكت الألسنة وتجعله - الفرد - يتحول من موقع المدافع لموقع المواجه وعندئذ يضطر خصمه للقتال فيصيب ويصاب، وهذا القضاء يا يزيد لا يزال عصب الأنظمة القضائية بدول المنطقة ومنها الدول التي تحول لك راتبك مع اقتراب نهاية كل شهر وتدفع لك أيضًا الحوافز نظير اجتهادك بعملك، ولكن مدرسة الكلام التي تتبعها أسلوبها الإساءة للأصل والتغاضي عن الفرع، فالهدف هو الأصل، كما يكفي قراءة أغلب الدراسات والأطروحات القانونية المقارنة بدول المنطقة لتجد أن الحالة المصرية دائمًا طرفًا فيها.. وذلك جزءٌ ضئيل من قيمة مصر وقيمة القضاء المصري. 

أما عن الهيمنة الإعلامية، رجاءًا حدثنا عن الصلاحيات الممنوحة للإعلاميين بالبلاد التي تعمل وتتجول فيها سواءًا كانوا من أبنائها أم من الوافدين.. أو إن شئت قل من المطاريد.

وفيما يتعلق بالكوادر الشبابية التي قلت إن الدولة بمصر تؤهلها لكي تدخل المجال السياسي، لقد رأينا ببعض الدول المحيطة الكوادر المختارة فيها تنحني لتقبل أيادي الممسكين بالسلطة ثم تطور الأمر وصاروا ينبطحون لتقبيل الأقدام دون خجل أمام عدسات الكاميرات بمزاعم أنهم من أولي الأمر ليعيدوا إحياء تراث قديم كان قد زال مع زوال العثمانيين واختراع الكهرباء.

بالنهاية يعترف الصايغ بالتحديات التي تواجه الدولة المصرية بداية من أزمة جلب الاستثمارات ورؤوس الأموال، ثم الصراعات الإقليمية التي تحيط بها من جميع الجهات - بحسب تعبيره - وتهدد أمنها القومي ودخلها ومشكلة مياه النيل مع إثيوبيا وعدم الاستقرار الممنهج في ليبيا والصراع المستعر دائمًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. والتعليق: 

أمِـن الحق أنهم يُطلقون الـ … أُســد منهم وأن تقيد أُسدي

نظــــر الله لي فأرشــد أبنا … ئي فشدوا إلى العُلا أي شدِ