كاتب بريطاني: نقاش مجلس العموم تحول إلى "لعبة الصراحة".. لماذا دخلت إنجلترا الحرب على سوريا في هذا التوقيت؟.. لندن خسرت في العراق وأفغانستان وتنتظر هزيمة جديدة في الشام

رأى الكاتب البريطاني جدعون راخمان، أن نقاش مجلس العموم حول المسألة السورية مؤخرا أثار عددا من التساؤلات التي فرضت نفسها لتتحول وجهة النقاش إلى المسألة البريطانية في الصميم.
وأوضح - في مقال نشرته "الـفاينانشيال تايمز"- أن انعقاد المجلس هذا الأسبوع كان في الأساس لنقاش مسألة التدخل العسكري في الشرق الأوسط ، وتحديدا لتقرير ما إذا كان ينبغي على بريطانيا توسيع نطاق عمليات قصفها لداعش من العراق إلى سوريا.
غير أن النقاش تحول إلى تساؤلات أكبر طالما أرّقت الخاطر البريطاني على مدى جيل كامل وأكثر ، وقد تمحور النقاش حول مدى إمكانية وميقات التدخل البريطاني في حروب خارجية ، ومن وراء هذا النقاش تكمن قضايا أكبر متعلقة بالطبيعة المتغيرة للمجتمع البريطاني وإلى ماذا باتت بريطانيا ترمز في العالم ؟.
ولفت "راخمان" إلى أن هذا الاجتماع لسياسيّي الأمة في مجلس العموم لم يكن لتقرير شنّ حرب أو جنوح لسلام ؛ فبريطانيا لن ترسل قوات برية إلى سوريا ، ومن المستبعد كذلك أن تتكبد خسائر عسكرية - لقد كان الاجتماع ببساطة لمناقشة توسيع نطاق حملة قصف جارية بالفعل.
غير أن ظلال حروب أخرى خيّمت إذ ذاك على مجلس العموم ، ومن بين هذه الحروب كل من العراق وأفغانستان وكوسوفو والبوسنة وحتى الحربين العالميتين الأولى والثانية .
ورأى "راخمان" أن النقاش بشأن التدخل العسكري البريطاني خارجيا شهد حالات من المدّ والجزر على مدار العشرين عاما الماضية، ففي حقبة التسعينيات رأى عدد من السياسيين البريطانيين أن تباطؤ تدخل بريطانيا وحلفائها في البوسنة سمح بارتكاب جرائم حرب سقط جرّاءها الآلاف وتشرد الملايين .. وفي نهاية الأمر ، أدى الشعور بضرورة التدخل العسكري في البوسنة لدواعي إنسانية، إلى تشجيع بريطانيا للتدخل لدواعي مشابهة في كل من كوسوفو عام 1998 وسيراليون عام 2000.
ولم تمض غير ثلاث سنوات حتى اجتمع مجلس العموم للتصويت على التدخل العسكري في العراق، وأثبت رئيس الوزراء آنذاك توني بلير أنه من أنصار التدخل العسكري البريطاني.. غير أن الخبرات على مدار السنوات العشر الأخيرة أو أكثر قلبت تيار الأمواج ليصبح ضد التدخل العسكري خارجيا ؛ لقد بات قرار الدخول في حرب العراق عام 2003 يُنظر إليه من جانب فئات بريطانية عريضة على أنه كان خطأ جسيما، لقد بات توني بلير موضع اتهام بأنه "مجرم حرب".
كما أن قرار التدخل في أفغانستان كبّد بريطانيا سقوط المئات من جنودها، فيما فشل في خلق بلد مستقر أو الإجهاز نهائيا على حركة طالبان .
كما أن قرار ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الحالي، بدعم تدخل حلف الناتو في ليبيا عام 2011 عبر حملة قصف بريطانية - هذا القرار لم تترتب عليه نتائج جيدة؛ نعم لقد أُطيح بنظام القذافي، لكن ليبيا انزلقت إلى مستنقع من الفوضى وباتت قاعدة للمتطرفين ونقطة عبور للاجئين القاصدين سواحل أوروبا.
وبحلول عام 2013 بدت الأمواج في بريطانيا مناوئة للتدخل العسكري الخارجي؛ إذْ رفض مجلس العموم دعوة كاميرون لتوجيه ضربات عقابية ضد نظام بشار الأسد في سوريا بعد استخدامه أسلحة كيماوية في الحرب الأهلية المشتعلة بالبلاد.
وقتئذ ، تساءل الكثيرون عمّا إذا كان هذا التصويت من جانب مجلس العموم إزاء سوريا هو إيذانٌ بتحوّل في السياسة البريطانية الخارجية ، وهل بعد عشرة أعوام من التدخلات العسكرية الخارجية الفاشلة ، قررت بريطانيا أنها لم تعد تملك الشجاعة أو القناعة بلعب دور عسكري عالميا؟
هذه الحال من التشكك انعكست بوضوح في انتخاب جيرمي كوربين زعيما لحزب العمال في وقت سابق من العام الجاري؛ ولطالما اشتُهر كوربين بمعارضته الشديدة للتدخل العسكري البريطاني خارجيا، بل ولطالما تساءل عن سرّ إبقاء بريطانيا على جيش يكون قادرا على الدخول في عمليات عسكرية حول العالم؟
ورأى صاحب المقال أن التهديد بالإرهاب في المملكة المتحدة والطبيعة المتغيرة في المجتمع البريطاني قد أضافا طبقة من التعقيد والعاطفة للنقاش في شأن التدخل العسكري البريطاني خارجيا.
ونوّه "راخمان" إلى أن هجمات لندن عام 2005 نفذها مسلمون بريطانيون ، وأن المئات من هؤلاء قد غادروا المملكة المتحدة للانضمام لصفوف تنظيم داعش الإرهابي ، ويخشى كثيرون من أن يؤدي التدخل البريطاني في سوريا إلى استدعاء المزيد من الهجمات الإرهابية ضد المملكة البريطانية نفسها على أن ينفذ هذه الهجمات مواطنون بريطانيون من الدواعش أو المتعاطفين مع أهدافهم .. هذه التساؤلات فرضت نفسها على نقاش مجلس العموم .