عاجل
الخميس 15 مايو 2025
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

"تورتة الخليج".. واشنطن ومعضلة تعزيز الأمن في المنطقة.. وتراجع دور الولايات المتحدة أدى إلى ظهور روسيا في المشهد

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية على طمأنة مخاوف دول الخليج العربية بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه الغرب مع إيران، وذلك من خلال تأكيدها على اتفاقية الدفاع المشترك من ناحية، وتزويد دول مجلس التعاون بأسلحة جديدة، وإعادة تعبئة قواتها الحالية المتواجدة في الخليج العربي من ناحية أخرى، نظراً لما تمثله دول مجلس التعاون من شريك استراتيجي وعسكري هام للولايات المتحدة.

فمنذ خريف عام 2013، كانت استراتيجية الولايات المتحدة تركّز بشكل رئيسي على التأكيد لدول الخليج على متانة الدعم الأمريكي، من خلال التشديد على أن الولايات المتحدة تشارك دول الخليج مخاوفها بشأن التهديدات الإقليمية، وخاصة الإيرانية، وأنها سوف توفر الأمن وفقاً لذلك.
ولكن هذه الحسابات الأمريكية قد تغيرت مع التغيرات التي حدثت في هيكل قوى النظام الدولي من جانب، والتغير الاستراتيجي للاهتمام الأمريكي بالخليج من جانب ثان.

وقد كشفت المواقف الأمريكية تجاه تطورات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط عن اقتراب نهاية عصر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، نتيجة الفوضى الناتجة عن الربيع العربي، وانتشار تنظيم "داعش"، فضلاً عن صعود قوى دولية جديدة في المنطقة، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى التغير في أولويات الاستراتيجية الأمريكية، ومن هنا أدركت واشنطن أنه لا يمكنها ضمان أمن الخليج وحدها على نحو فعَّال كما فعلت في الماضي.

تغير بنية النظام الدولي
ثمة قوى دولية كبرى تزايد دورها في منطقة الخليج خلال الفترة الأخيرة، بما يسمح للولايات المتحدة بالتنسيق معها لوضع استراتيجية جديدة لحماية أمن دول الخليج، يأتي على رأس هذه القوى: بريطانيا التي اتبعت سياسة تبرز جديتها في تحمل مسؤولية حماية أمن الخليج، حيث أكدت أهمية الوجود العسكري الخارجي في الخطة الاستراتيجية للأمن والدفاع عام 2015، ومن ثم كان إنشاء قاعدة عسكرية بحرية جديدة في ميناء سلمان بالمنامة، مما يعكس إدراك المملكة المتحدة ضرورة الوجود العسكري في الخليج.

ونظراً لأن الأحداث في منطقة الشرق لأوسط تؤثر على أسعار النفط، فإن ذلك يتطلب من بريطانيا التواصل مع دول المنطقة لضمان وارداتها النفطية. وهناك أيضاً خطط لاستثمارات بريطانية في البنية التحتية وحدها بمنطقة الخليج تُقدر بـحوالي 2 تريليون دولار خلال العقد المقبل.

ثاني القوى الدولية فرنسا والتي تسعى إلى إحياء دورها كقوة عالمية فاعلة، خاصةً بعد الهجمات الإرهابية في العاصمة باريس، والفوضى التي تعانيها ليبيا، والتحدي الإيراني، وأزمة اللاجئين الناتجة عن الصراع السوري، وتظهر مؤشرات الدور الفرنسي في الخليج في الآتي: الوجود العسكري الفرنسي في جيبوتي، حيث يمثل فائدة لدول الخليج. واتباعها الدبلوماسية الدفاعية، من خلال زيادة حجم تجارة الأسلحة والتعاون الدفاعي مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أبرمت فرنسا عقود سلاح ضخمة مع عدد من دول الخليج، فضلاً عن التدريبات العسكرية المشتركة.

في حين تمثل روسيا ثالث القوى الدولية، إذ شهدت الفترة الأخيرة تقارباً روسياً – خليجياً ومن مؤشرات هذا التقارب: التوقيع على اتفاق الطاقة النووية بين روسيا والسعودية خلال صيف عام 2015، وكذلك الاتفاق الروسي مع دولة الإمارات عام 2013 في مجال برامج الطاقة النووية السلمية، ناهيك عن التوافق على قضية مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، خاصةً في ظل الترابط بين هذه الجماعات الإرهابية وغيرها في منطقة القوقاز، والتعاون مع روسيا بشكل براجماتي حول أسعار النفط.

وجاءت الصين كرابع قوة جديدة في بنية النظام الدولي، حيث التقارب الصيني الخليجي في الآونة الأخيرة، ومن مؤشرات ذلك: تقديم الخبرة الفنية في مجال الطاقة النووية لدول الخليج، وسعت بعض دول الخليج، في الآونة الأخيرة، إلى شراء طائرات من دون طيار من الصين. كما يعتمد التحالف العربي على معدات عسكرية صينية في الحرب ضد تنظيم "القاعدة" وميلشيا الحوثيين في اليمن.

خيارات وتحديات
في إطار تراجع النفوذ الأمريكي في الخليج وأن أمن الخليج لم يعد حكراً عليها، يمكن للولايات المتحدة انتهاج استراتيجية أكثر استدامة لأمن منطقة الخليج، بدلاً من تلك التي اتبعتها بشكل أُحادي على مدى العقود الماضية، وتقوم الاستراتيجية الجديدة على أساس تفعيل ما يُسمى مبدأ "تقاسم الأعباء أو المسؤوليات" بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مثل بريطانيا وفرنسا، مع بدء حوار استراتيجي مع الخصوم مثل روسيا والصين، وبالتالي تكمن خياراتها في الآتي:

1- تدشين المنتدى الرباعي للأمن:
ويكون من خلال إقامة نموذج مجموعة الدول الثلاثة الكبرى (P3+1)، على غرار ما حدث في الاتفاق النووي الإيراني (P5+1)، بحيث يضم هذا النموذج المقترح كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى دولة مُمثلة للخليج أو من خلال مجلس التعاون الخليجي ككل (وهو السيناريو الأقرب).

ولتفعيل أعمال ذلك المنتدى ، لابد من وجود مقر دائم للمنتدى في دول الخليج لمناقشة الشؤون السياسية والعسكرية والتنسيق المشترك، أو إقامة المنتدى بصفة دورية في الدول الأعضاء، ويمكن لفرنسا وبريطانيا المساعدة في الخدمات اللوجستية، من خلال الحوار السياسي والثقافي، والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، وغيرها من الأنشطة الموجودة بالفعل، ولكن في شكل ثنائي بين البلدين من جهة ، وبين دول الخليج من جهة أخري ، ومن ثم يجب توجيه هذه الأنشطة للصالح الجماعي لدول المنتدى.

في ضوء ذلك يمكن للولايات المتحدة التنسيق مع حلفائها للتفكير معاً في طرق أكثر فعَّالية وكفاءة لمعالجة المسألة الإيرانية، والتهديدات التي تشكلها المنظمات الإرهابية.

2- الحوار الاستراتيجي مع الخصوم:
يؤكد التاريخ أن استثناء القوى الكبرى من الشؤون الإقليمية له تكلفة عالية، خاصةً إذا كانت قوى أساسية مثل الصين وروسيا اللتين وجهتا سياستهما تجاه الشرق الأوسط، خاصةً الخليج، خلال الفترة الماضية، مما يستدعي الحوار والتواصل مع هذه القوى بدلاً من استثنائها، وذلك من خلال ما يلي:

أولاً:
أن توضح الدول الثلاث الحليفة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) لكل من روسيا والصين أن قيادة واشنطن الإطار الجديد لأمن الخليج لن تكون في مواجهة المصالح الاستراتيجية لهذه الدول.

ثانياً: بالنسبة للصين، تكمن الصعوبات في أن مشاركتها العسكرية تظل محل تساؤل، في ظل تغير اهتماماتها، وبصفة خاصة في منطقة الجوار المباشر لها وصراعها مع اليابان. كما أنها تستخدم علاقتها مع إيران كأداة في مواجهة النفوذ الأمريكي، وهذا قد يتعارض مع سياسة الحلفاء، على الرغم من الاتفاق النووي المُبرم مؤخراً.

ثالثاً: بالنسبة لروسيا، على الرغم من وجود أهداف مشتركة خاصةً في مكافحة الإرهاب، فإن موسكو بتدخلها في سوريا صعَّبت من إمكانية الوصول إلى سلام في سوريا، ومكافحة "داعش". كما أن الرؤية الروسية لمنطقة الشرق الأوسط متناقضة مع رؤية الدول الغربية لها.

إجمالاً يمكن القول أن التحديات والتهديدات في منطقة الخليج تمثل فرصة وتحدياً في الوقت ذاته للولايات المتحدة، فهي فرصة جيدة لتفعيل مبدأ "تقاسم الأعباء والمسؤوليات" مع بقية القوى الكبرى، وتحدٍ لأنها سمحت لخصوم الولايات المتحدة باستغلال التراجع الأمريكي في المنطقة، كما أن تعددية أدوار القوى الدولية ستقلل من استقلالية القرار الأمريكي بشأن قضايا هذه المنطقة، ولكنها سياسة لابد منها ، وستحمي المصالح الأمريكية على المدى البعيد.