فتوى حول الامتناع عن التصويت في الانتخابات
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الإسلام حث المسلمين في كل زمان ومكان على التحلي بالصدق والأمانة، ونهى عن الكذب والخيانة.
وأوضحت الدار أن الإسلام أوجب أداء الأمانة بكل أشكالها وأنواعها، قائلًا تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء: 58].
وأوضحت الدار في فتوى رسمية، أن الشورى هي جوهر الديمقراطية الإسلامية، وهي مبدأ شرعي يجب أن يُربى عليه أبناء المجتمع ليكونوا أمناء صادقين في اختيار من يمثلهم، وليُسهموا في بناء نظام حكم قائم على العدل والمساءلة.
وأشارت إلى أن اختيار أعضاء المجالس النيابية والتشريعية — بغض النظر عن مرحلتها — يُعدّ من أعظم الأمانات التي كلف بها المسلم، ويجب على كل من توافرت فيه الشروط الشرعية والقانونية أن يُدلي بصوته بصدق وأمانة ونزاهة وموضوعية، ولا يُؤخر هذا الواجب تحت أي مبرر.
وشددت دار الإفتاء على أن الامتناع المتعمد عن التصويت — دون عذر شرعي — يُعدّ إخلالًا بالأمانة، وجريمة شرعية تُوجِب المؤاخذة الدينية، لأنها تُفضي إلى تفريغ العملية الانتخابية من مضمونها، وتمكين غير الأهل من تولي المناصب، مما يُفضي إلى إفساد المجتمع وضياع الحقوق.
وأضافت أن من يدفع صاحب الشهادة إلى مخالفة ضميره أو التزوير في شهادته — بأي وسيلة كانت — يشارك في الجريمة، كما أن من ينتحل هوية غيره ويُدلي بصوته مكانه، فهو مرتكب لجريمة غشٍّ وتزوير يعاقب عليها الشارع الحنيف.
وأكدت الدار أن السلبية في التصويت — أي التقصير عن أداء الحق دون تزوير مباشر — تُعادل في أثرها شهادة الزور، لأنها تُنتج نفس النتائج: إضعاف العدل، وتعزيز الظلم، وتفويض السلطة لغير الأهل، مما يُهدم مبادئ العدالة الاجتماعية والسياسية.
وأشارت إلى أن هذا الموقف السلبي — رغم أنه لا يحمل صيغة التزوير الظاهرة — يُعدّ من أكبر أشكال الخيانة، لأنه يُتيح لغير الكفؤ تولي المناصب، ويُشجع الفساد، ويُهدر حقوق الأمة، تمامًا كما تفعل شهادة الزور.
وأوردت الدار دليلاً قرآنيًا صريحًا على خطورة السلبية، حيث قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97].
وأوضحت أن هذه الآية تُظهر مدى خطورة الاستسلام للظلم والسكوت عن الحق، سواء في الهجرة من دار الظلم أو في المشاركة في إصلاح المجتمع، فالمسلم المكلف لا يُعذر بالسكوت، بل يُطلب منه أن يُغيّر ما بيده، وأن يُؤدي ما كُلف به من أمانة.
وأشارت دار الإفتاء إلى الحديث الشريف: «إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ» [رواه البخاري].
فهذا الحديث يُعدّ تحذيرًا إلهيًا: إذا تولّى الأمور من لا يستحقها، فهذا مؤشر على اقتراب الفساد العام، وهو ما يُحقّق تطبيقًا عمليًا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران: 105].
وختامًا، حثّت دار الإفتاء كل مسلم ومسلمة على الإدراك الكامل لقيمة صوته الانتخابي، فالتصويت ليس مجرد حق مدني، بل هو عبادة ومسؤولية دينية، وواجب شرعي يُسهم في بناء دولة العدل، ويدفع عن الأمة الظلم والفساد.
وأكدت أن من يُدلي بصوته لمن هو أهلٌ للثقة والكفاءة، يُشارك في تحقيق مقاصد الشريعة: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.