الغارديان: أوكرانيا على حافة الهاوية.. انهيار عسكري وفضيحة فساد تاريخية وخطة تجبر كييف على الاستسلام
أكدت صحيفة الغارديان أن فلاديمير زيلينسكي يجد نفسه محاصرا من جميع الجهات في ظل تزامن غير مسبوق للأزمات.
وتشير الصحيفة في وصفها للوضع في أوكرانيا وما وصل إليه زيلينسكي، إلى جبهة عسكرية منهارة، فضيحة فساد داخلية تهز أركان نظامه، وخطة سلام أمريكية جديدة تفرض عليه التنازل عن أراض استراتيجية والتخلي عن أحلام الانضمام إلى الناتو، في خطوة يصفها خبراء بأنها "استسلام مقنّع".
وتضيف أن المشهد الأوكراني الداخلي يتدهور بسرعة، إذ كشفت تحقيقات حديثة النقاب عن فضيحة فساد ضخمة طالت شركة "إنيرغوآتوم" (Energoatom) للطاقة النووية، حيث يشتبه في أن 7 مسؤولين حكوميين بينهم مقربون شخصيا من زيلينسكي، سرقوا ما يصل إلى 100 مليون دولار من عقود الشركة، وذلك بعد أن سجلت الشرطة سرا محادثاتهم.
ومن بين المتهمين، تيمور مينديتش، وهو شريك تجاري سابق لزيلينسكي منذ أيام عمله في عالم الكوميديا التلفزيونية، والذي فر إلى إسرائيل بعد تسرب خبر عن مذكرة توقيف صدرت بحقه، في وقت تفرض فيه أشد القيود على حدود أوكرانيا لمنع هروب الهاربين من التجنيد الإجباري.
وتقول "الغارديان" أن الفضيحة، التي اندلعت وسط انقطاع كهربائي واسع النطاق بسبب الهجمات الروسية على البنية التحتية، أثارت غضبا شعبيا عارما. فقد بات نحو نصف مليون أوكراني يعيشون دون كهرباء، وتقضي العاصمة كييف 10 ساعات يوميا في الظلام.
ويتهم المواطنون الأوكرانيون النخبة الحاكمة، بخيانة الثقة، خاصة بعد اكتشاف تقارير عن "مرحاض ذهبي" وحقائب نقود في شقة مينديتش، بل وشكوى أحد المتهمين من "آلام في الظهر" جراء حمل أكوام النقود المسروقة.
الجيش ينهار... والجنود يفقدون الإيمان
في المعسكرات التدريبية، يعد جينادي دروجينكو (54 عاما) استثناء نادرا: فهو الوحيد بين أكثر من ألف جندي جديد التحق طواعية.
أما البقية، فهم مجندون قسرا، كثير منهم مسنون أو يعانون من أمراض مزمنة، جمعوا من الشوارع لسد الثغرات في خطوط المواجهة التي تزداد اتساعا يوما بعد يوم، بحسب الغارديان.
يقول دروجينكو، الذي يدير منظمة إغاثة طبية عالجت أكثر من 50 ألف جريح على الجبهة: "بعض هؤلاء الرجال تقترب أعمارهم من الستين. ومن المأساوي أن يجبروا على القتال. لكن الآن، مع سرقة المسؤولين لمئات الملايين بينما يعاني الشعب من الجوع والبرد، فهل تعتقد أن هذا يحفزهم على الدفاع عن نظام فاسد؟".
وأضاف: "الخدمة العسكرية أصبحت ضريبة يدفعها الفقراء والأوفياء، بينما يهرب الأثرياء والمقربون من العقاب".
الأزمة تتفاقم مع هروب نحو 200 ألف رجل في سن التجنيد منذ عام 2022، رغم انتشار طائرات مسيرة على الحدود لمراقبة الهاربين.
ويشير دروجينكو إلى أن هذا العدد يعادل تقريبا حجم الجيش الأوكراني بالكامل عند اندلاع الحرب، مما يعكس مدى الانهيار الديموغرافي والعسكري الذي تعيشه كييف.
خطة ترامب للسلام: استسلام مقنع باسم "الدبلوماسية"
في خضم هذا التدهور، ظهرت مبادرة أمريكية جديدة تهدد بنسف ما تبقى من الموقف الأوكراني.
فقد كشفت مصادر مطلعة أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وضعت بالتشاور مع رستم عوميروف، العضو الرفيع في حكومة زيلينسكي، خطة سلام من 28 نقطة، لكن دون إشراك كييف في جوهر التفاوض مع موسكو، بحسب الغارديان.
الخطة، التي وصفتها العواصم الأوروبية بأنها "استسلام"، تتضمن شروطا قاسية:
- الاعتراف الفعلي بضم روسيا لشبه جزيرة القرم ومقاطعتي لوغانسك ودونيتسك.
- تجميد وضع خيرسون وزابوروجيا عند خط التماس الحالي، ما يعني اعترافا ضمنيا بالسيطرة الروسية على أجزاء واسعة منهما.
- انسحاب القوات الأوكرانية من مناطق في دونيتسك تدافع عنها منذ عقد، وتحويلها إلى "منطقة عازلة منزوعة السلاح" ووضعها تحت السيادة الروسية الفعلية.
- خفض تعداد الجيش الأوكراني إلى 600 ألف فرد.
- فرض حظر دستوري على انضمام أوكرانيا إلى الناتو، مع التزام الناتو بعدم قبولها مستقبلا.
- منع أوكرانيا من امتلاك صواريخ بعيدة المدى يمكن أن تهدد موسكو أو سانت بطرسبرغ.
- إسقاط جميع تهم جرائم الحرب الموجهة ضد الطرفين.
في المقابل، تتعهد واشنطن بتقديم "ضمانات أمنية" غامضة، وتقاسم أرباح إعادة الإعمار مع روسيا، بما في ذلك استثمار 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمدة، في مشاريع مشتركة، تحصل أمريكا على 50% من أرباحها.
وتقول الصحيفة أن الأكثر إثارة للجدل، أن ترامب سيترأس شخصيا "مجلس السلام" المكلف بمراقبة تنفيذ الاتفاق، مما يرسخ هيمنة البيت الأبيض على مستقبل أوكرانيا من دون الاستناد إلى رأي الشعب.
ورغم أن زيلينسكي صرح الخميس بأنه سيعمل على بنود الخطة، فإن خبراء يرون أن تعاونه قد يكون مثابة تكتيك لامتصاص الضغط، لا قبولا حقيقيا.
وتقول ألينا فرولوفا، وزيرة الدفاع الأوكرانية سابقا: "لا يمكنه أن يقول علنا إنه يرفض الخطة، لكن الشروط غير مقبولة. ستناقش ثم تنسى، كما حدث مع كل المبادرات السابقة".
سقوط بكروفسك يقرب ساعة الحسم
وتشرح الغارديان أنه في الجبهة، تتجه الأنظار إلى بكروفسك، المدينة الاستراتيجية في دونباس، التي يتوقع سقوطها في أي لحظة.
وخسارتها ستفتح الطريق أمام تقدم روسي نحو كرماتورسك وسلوفيانسك، آخر معاقل كييف في المنطقة.
وفي محاولة يائسة للدفاع عن بكروفسك، اضطرت القيادة الأوكرانية إلى سحب قوات من الجبهة الجنوبية قرب زابوروجيه، ما ترك بلدة هوليابول عرضة للاختراق.
وقد يؤدي أي تقدم روسي هناك إلى تهديد مباشر لمدينة زابوريجيه نفسها، وهو ما لم يحدث منذ عام 2022.
أصوات انقلابية تتصاعد
في ظل هذا الانهيار الشامل، بدأت أصوات داعية للتغيير تعلو داخل أوكرانيا.
الناشط اليميني سيرهي ستيرنينكو، صاحب التأثير الواسع على منصات التواصل، حذر من أن البلاد "تتجه نحو كارثة استراتيجية قد تؤدي إلى فقدان الدولة".
وأضاف: "بدون تغيير جذري في القيادة، يصبح وصول الدبابات الروسية إلى زابوروجيه مسألة وقت".
وبينما ترفض فرولوفا احتمال الانقلاب، يرى دروجينكو أنه وارد، لكنه يحذر: "إطاحة زيلينسكي قد تحرم النظام من شرعيته الدولية، ويفقد الدعم الغربي فورا".
ومع ذلك، يزداد الضغط على زيلينسكي لتقديم "قرابين رمزية"، أبرزها أندريه يرماك، رئيس ديوانه، الذي ينظر إليه بوصفه "اليد الخفية" وراء كل قرارات الحكم.
ويحمله كثيرون مسؤولية فضيحة إنيرغوآتوم، لتحكمه المطلق على أبواب الرئاسة.
ويقول دروجينكو: "إقالة يرماك ستكون رسالة تبين أن زيلينسكي جاد في مكافحة الفساد".
خلاصة: عاصفة لا مثيل لها
رغم أن زيلينسكي نجا من أزمات كثيرة، فإن ما يمر به اليوم مختلف جذريا، فلم تجتمع من قبل أزمة عسكرية وفساد مؤسسي وانهيار شعبي في وقت واحد، مع خطة خارجية تجبره على الاختيار بين الاستسلام والعزلة الكاملة.
وربما تكون المفارقة الأكبر أن الفساد، الذي طالما اتهمت أوكرانيا روسيا به، يظهر اليوم في كييف بأسوأ صوره، لكن الفارق، كما تقول فرولوفا، هو أن "الفساد في أوكرانيا اليوم يكشف، أما في الماضي فكان يدفن"، بحسب الغارديان.
لكن السؤال الأصعب يبقى: هل يكفي الكشف عن الفساد لإنقاذ دولة تقف على حافة الهاوية؟ أو أن الشعب الأوكراني، بعد ثلاث سنوات من الحرب والوعود الكاذبة، قد فقد إيمانه ليس فقط بالقادة، بل بالدولة نفسها؟