عاجل
الثلاثاء 26 أغسطس 2025
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

النقل البحري يطلب الإنقاذ.. استثماراته بـ 11.5 مليار جنيه ..والعاملين تواجه شبح البطالة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

النجار: عدم اتباع قواعد الصيانة والجودة للسفن سبب انهيار القطاع 
الحداد: الاهتمام بالنقل والتجارة البحرية توفر80% من الدخل القومي
بسيوني: تعمل بقانون منذ العهد العثماني شابه العديد من الثغرات والقصور
ربيع: تعطيل سفن الأسطول تسبب في بطالة للعمال 

مع افتتاح قناة السويس الجديدة وتبني الدولة لمشروع تنمية محور قناة السويس، لتسيير حركة السفن في الاتجاهين حيث يأتي ذلك في إطار المشروع القومي؛ لتحويل مصر من دولة تمارس أنشطة بحرية محدودة كنقل الركاب وشحن البضائع إلى مركز بحري دولي يضم جميع الأنشطة البحرية واللوجستية. 

الاحصائيات تشير إلى أن مصر تمتلك سواحل على البحرين الأبيض والأحمر تبلغ 2420 كم، على تلك السواحل 40 ميناء "13 تجاريًا و6 تعديني و6 موانئ صيد و5 سياحية بالإضافة إلى 10 موانئ للبترول"، كما تقدر حجم استثمارات النقل البحري في مصر بـ 11,5 مليار جنيه منها 500 مليون جنيه للقطاع الخاص في النقل البحري من بينها استثمارات مصرية وعربية وأجنبية والتي تضم 220 توكيلًا، و25 شركة للنقل والتفريغ، و300 شركة خاصة في الخدمات البحرية، و22 شركة نقل بحري تضم 54 سفينة ترفع العلم المصري، و60 سفينة ترفع أعلام دول أجنبية.

يعمل في القطاع ما يقرب من ‏200 ألف بحار من أعمال ومهن ومستويات تدريبية وتعليمية مختلفة‏ "ربابنة سفن ومهندسين بحريين وميكانيكيين وفنيين متخصصين وطباخين وغيرهم‏"،‏ يعانى معظمهم من بطالة منذ أكثر من عقد كامل وتصل نسبة البطالة أحيانًا إلى ‏90%‏ في بعض الفئات.
الفشل في إدارة منظومة النقل البحري أدى إلى إدراج مصر دوليًا في القائمة السوداء لأساطيل النقل البحري في 2010.
وذلك وفقًا لتصنيف المنظمة البحرية الدولية "i m o" التابعة للأمم المتحدة بسبب انتشار الفساد في تطبيق إجراءات التفتيش والصيانة على السفن، وعدم اتباع معايير الجودة والسلامة العالمية، ما تسبب في إهمال عنصر التجديد للسفن فتحولت إلى خردة، الشيء ذاته أشار له المستشار "هشام جنينة"، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، من خلال تقارير جهات رقابية، كشفت عن عدة مخالفات وتصاعد لحجــم الفســاد داخل قطاع النقل البحري متمثلة في احتكار بعض الشركات لخطوط ملاحية. 

تعد الشركة المصرية للملاحة البحرية، هي أول وأقدم شركة ملاحة وطنية ذات ملكية عامة للدولة بعد ثورة يوليو، وعلامة رائدة لأسطول النقل البحري في مصر، حيث تشكلت تلك الشركة من إدماج 3 شركات ملاحية عالمية هي "شركة خطوط البوسنة الخديوية"، و"شركة الإسكندرية للملاحة البحرية" و"شركة مصر للملاحة"، والأخيرة كانت مملوكة لبنك مصر، وهي أول شركة وطنية يؤسسها الاقتصادي "طلعت حرب"، وقد ساهمت الشركة المصرية بجهود متميزة في جميع المعارك الوطنية لمصر كقطاع مدني وكانت الناقل الرئيسي لمعظم الصادرات والواردات المصرية.

مع بداية ثمانينيات من القرن الماضي بدأت سفن الأسطول البحري الوطني المصري في التناقص، بعد أن كانت 200 سفينة تبحر البحار والمحيطات صار معظمها في حالة يرثي لها ليتبقى منها في عام 2014 نحو ثماني سفن فقط، هي إسكندرية والمنوفية ومرسى علم ورأس سدر ورأس محمد ونويبع وطابا والحسين، ومازال على رأس العمل منهم ست سفن باستثناء سفينتين خارج التشغيل وهما السفينة نويبع والسفينة المنوفية.
حيث يتم احتجازهما داخل ورش الصيانة منذ أكثر من سنة بحجة إصلاحهما وهو نفس السيناريو الذي تم مع سفن الأسطول التي تم بيعها خلال السنوات الماضية، حيث يتم إيقاف السفينة عن العمل تحت مسمى للصيانة لعدة سنوات، ثم يخرج تقرير فني بعدم صلاحيتها للاستخدام وبيعها خردة.

هروب المستثمرين
ونظرًا لتدهور أسطول النقل البحري الوطني، وانتهاء عمره الافتراضي لمعظم سفنه هرب المستثمرون إلى شركات النقل الخاصة لنقل بضائعهم وبدأ الأسطول الوطني يتضاءل أمام الأسطول الخاص حيث بلغ عدد شركات النقل الخاصة 8 شركات يملكها مصريون وعرب بينما لم يتبق من الشركات الوطنية سوى شركة واحدة فقط، مازالت تعمل في سوق النقل البحري، وبذلك تمكنت أسماء 8 عائلات من احتكار قطاع النقل البحري من خلال شركات خاصة تهدف في المقام الأول لتحقيق أعلى نسبة من الأرباح بغض النظر عن حماية الركاب حيث تعمدوا التحايل على القانون تارة برفع أعلام أجنبية كما حدث مع "العبارة السلام98" التي كانت ترفع علم بنما وتارة أخرى بالحصول على تراخيص مرور مضروبة، والمشكلة الكبرى أن ملكية القطاع الخاص لشركات النقل البحري لم تقتصر على المصريين فقط، ولكن ظهر نوع آخر من الملكية وهي التوكيلات الأجنبية التي وصل عدها إلى 220 توكيلًا خاصًا، إلى جانب تهالك سفنها ما أدى إلى لجوء رجال الأعمال إلى شحن بضائعهم على السفن الأجنبية ما أثر بالسلب على قطاع النقل البحري.

تشجيع الاستثمار
في البداية قال محمود التهامي، الباحث في اقتصاديات النقل البحري، لـ"العربية نيوز": إن انطلاق مشروع قناة السويس الجديدة يتطلب توفير مصادر التمويل اللازمة من خلال تشجيع الاستثمار العربي والأجنبي، لافتًا إلى ضرورة تكثيف برامج الهيكلة، والتدريب والتطوير، ونشاط بناء السفن وإدارته؛، لتحديث منظومة النشاط البحري.

وقال التهامي: إن تحديث منظومة النقل البحري تطلب مراجعة شاملة للقوانين والتشريعات المعوقة للنشاط البحري، إلى جانب "بتر" نظام الاحتكارات مع تحقيق إجراءات السلامة، مشيرًا إلى ضرورة خلق المزيد من فرص العمل والتدريب، ودعم أسطول النقل في مجال الركاب والبضائع والحاويات، وإلغاء الاستثناء من حياتنا. بما يعظم مجالات المنافسة، والتجارة مع دول العالم.

وطالب التهامي بضرورة تخصيص وزارة مستقلة للنقل البحري، أو التجارة البحرية في مصر. يكون لها كامل الولاية على قناة السويس، وجميع الموانئ.
والمرافق البحرية، والممرات الملاحية، والنهرية شاملة أعمال الإشراف والرقابة، والسلامة البحرية، وتسجيل وتصنيف وبناء السفن، والأعمال اللوجيستية من صيانة وإصلاح، وترانزيت، وتموين لغرض استكمال العمل المؤسسي للمنظومة البحرية والنهرية ككل، لافتًا إلى إن فكرة وزارة للنقل البحري، ليست جديدة في مصر فقد كانت موجودة بالفعل في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات. 

فساد في إجراءات التفتيش والصيانة
ويرى الدكتور"محسن النجار"، خبير النقل وعضو المجالس القومية المتخصصة، أن تدهور قطاع النقل البحري يعود لمجموعة من الأسباب، في مقدمتها انتشار الفساد في التفتيش على السفن والعبارات، وإجراءات الصيانة، واتباع القوانين المنظمة لعمل السفن وجودتها، مشيرًا إلى أن تراجع الأسطول البحري المصري في العقود الماضية إلى تأخر ترتيب مصر إلى المنطقة الرمادية لتصنيف المنظمة البحرية الدولية (i m o) التابعة للأمم المتحدة.

وقال النجار: إن النقل البحري من القطاعات المهمة الضرورية للتنمية الاقتصادية نظراً لأنه ينقل 90%، من تجارة مصر الخارجية، ولكن حجم الأسطول الوطني بشكل عام لا يكفي حجم التصدير والاستيراد، موضحًا أن المشكلة ليست في زيادة أعداد شركات الملاحة المصرية الخاصة أمام الشركات الوطنية ولكن في أن غالبية هذه الشركات مجرد توكيلات مصرية لشركات أجنبية الأمر الذي يؤثر بشكل سلبي على حركة التجارة الدولية نظرًا لعدم وجود خطوط ملاحية ثابتة مما يصعب عمليات التصدير والاستيراد.

وأضاف النجار أن توسيع استثمارات قطاع النقل البحري يمكن أن يكون عن طريق التأجير التمويلي، وهو نظام معمول من أجل تأجير السفن والطائرات والأشياء ذات القيمة العالية، وهذا النظام معمول به في مصر، ولكن في نطاق محدود حيث يتطلب تضامن مجموعة من البنوك لتمويل شراء سفن نظرًا لارتفاع القيمة المادية مما يصعب على أي بنك تمويله بمفرده.

طوق نجاة للاقتصاد المصري
وقال الدكتور أحمد الحداد، رئيس الجمعية العربية لتنمية التجارة البحرية: إن إنماء" صناعة النقل البحري هي طوق النجاة للاقتصاد المصري، موضحًا أن مصر يمكن تحويلها من دولة ذات نشاط بحري إلى دولة بحرية بمعنى أن يكون أكثر من 80% من الدخل القومي من صناعات النقل البحري والتجارة البحرية، خاصة أن مصر ذات موقع جغرافي متميز.

وأضاف الحداد أن الاهتمام بالاقتصاد البحري يبدأ بالإرادة السياسة وإعادة وزارة النقل البحري ووضع تشريعات جديدة تتناسب مع آلية السوق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتشجيع البنوك بإنشاء فروع بحرية لتمويل المشروعات البحرية، لافتًا إلى أنه قدم في وقت سابق اقتراحًا بإنشاء منطقتين للملاذ الضريبي في أبو قير بالإسكندرية، وبور فؤاد في بورسعيد، لتسجيل الشركات والسفن وهذا سيتيح فرص عمل كثيرة للعمالة البحرية. 

إضافة إلى ضرورة ضم الموانئ كلها تحت هيئة واحدة ووضع سياسات واستراتيجيات موحدة لها تنفذه شركات القطاع الخاص بعيدًا عن ميزانية الدولة وتكليف المتخصصين من ذوي الخبرة وليس أهل الثقة.

وطالب الحداد، بضرورة اتباع سياسة الخصخصة بمفهومها الفعلي، وهو فصل الملكية عن الإدارة فلا تفرط الدولة في عمالها الذين هم ثروة بشرية لا يمكن تعويضها بل تستثمر في تدريبهم، ولا تفرط في أصولها بل يمكننا تجديد وتطوير موانينا لتواكب التطور وتنافس بقوة عن طريق عرضها على الشركات العالمية لتطويرها وتشغيلها لفترة زمنية وبالتالي لا تتكبد ميزانية الدولة أي مصاريف بل تدر عليها هذه الموانئ الربح علمًا بأن هذا القطاع إذا تم تشغيله سيحل نسبة كبيرة من مشكلة البطالة بمصر كما أن منظومة النقل البحري يمكنها تطوير نفسها دون اللجوء أو الاستعانة بموازنة الدولة بل تستطيع أن تضخ الفائض في ميزانية الدولة إذا استحسن تخطيطهـا وتنفيذ مشروعاتها وإدارتها بشكل اقتصادي.

قانون تنظيم النقل البحري
وانتقد الدكتور عبد الحليم بسيوني الخبير البحري الدولي، القانون رقم 8 لسنة 1990 الخاص بتنظيم أعمال النقل البحري، حيث إنه تم وضعه عام 1886، في العهد العثماني ولم يطرأ عليه تغيير أو تعديل سوى تعديلات 1990 مشيرًا إلى أنه شابه العديد من القصور، موضحًا أن من قاموا بوضعه قانونيين ولم يؤخذ وقتها برأي الفنيين المتخصصين والأكثر دراية بأمور النقل البحري.

وقال بسيوني، إن من الثغرات القاتلة بالقانون تسيير سفينة في المياه الإقليمية بشروط مخالفة لما حدده القانون لكون السفينة رفعت علم دولة أخرى ولم ترفع العلم المصري، موضحًا إن هناك بنودًا مهمة تحتاج إلى تعديلات وأخرى يجب إضافتها مثل تنظيم العلاقة بين ملاك السفن والأطقم العاملين عليها وما بينهم وبين هيئات الموانئ.

وأضاف بسيوني، إن القانون حدد مبلغ 150ألف جنيه كتعويض لكل متوفى، وهذا المبلغ متدنٍ للغاية خاصة لاختلاف العملات بين الدول، إلى جانب عدم إلزام القانون المصري دول المغادرة والوصول بالتفتيش على السفن التي تصل إليها.

وطالب بسيوني، بضرورة تغيير القانون لكي يتماشي مع الوقت والعصر الذي نعيشه، على أن تراعي الأخذ برأي الفنيين المتخصصين بأمور النقل البحري.

المعايير الدولية للمنظمة البحرية
وأكد محمد ربيع مهندس بحري، والمنسق العام لائتلاف البحرية التجارية للإصلاح والتغيير، أن ضرورة أن تخضع الكوادر البحرية العاملة على متن السفن للتدريب طبقًا للمعايير الدولية للمنظمة البحرية I.M.O، وكذلك منظمة العمل الدولية I.L.O وتعديلاتها S.T.C.V، والتي وضعت المعايير الدولية لمستوى التدريب والتعليم لكل الرتب من الربان، والضابط البحري، والمهندس، وأفراد الطاقم من الملاحين، وقد انضمت مصر إلى هذه الاتفاقية منذ إنشائها في عام 1995 والتي تحدد المعايير الخاصة لنظام التأهيل والتدريب والامتحانات الخاصة لكل رتبة من رتب السفينة على حسب نوع السفن مثل ناقلات البترول أو ناقلات الغاز أو سفن نقل الركاب.

وأشار "ربيع" إلى أن هيئة المصرية لسلامة الملاحة البحرية هي الجهة المسئولة عن عقد الامتحانات وإصدرا الشهادات الأهلية لجميع الملاحين من كافة الرتب، وذلك طبقًا للقرار الوزاري رقم 24 لسنة 1998 الخاص بالسلامة البحرية، حيث لابد أن تخضع العمالة للقرار الوزاري حتى يتم إصدار جواز السفر البحري وذلك بعد اجتياز الدورات الحتمية المقررة بالقرار الوزاري.

وأضاف ربيع إن بطالة العمالة البحرية المصرية، من أهم المشاكل التي يعاني منها الأسطول المصري، رغم أنه هو الذي أفرخها بعد تعطل سفن الأسطول عن العمل، موضحًا أن العمالة أصبحت تفترش أرصفة الموانئ المصرية انتظارًا لفرصة عمل من سماسرة العمالة البحرية الذين يحتكرون فرص العمل على السفن الأجنبية. 

وكشف "ربيع" عن أن نسبة البطالة وصلت في أحيانٍ إلى 90% لبعض الفئات، مشيرًا إلى أن معظمهم يعاني من البطالة منذ أكثر من عقد كامل.