دراسة: صياغة السياسات الإعلامية مسئولية وطنية

أثبتت الدراسات والأبحاث أن التأثير السلبي للإعلام على المجتمع كبير، فالإعلام يؤثر على الصحة النفسية والمعنوية للإنسان، وتأثير سلبي واحد يؤدي إلى آخر، وهكذا حلقة من التأثيرات السلبية على علاقة الشعوب بمجتمعاتها، فالإعلام يؤثر على طريقة تفكير الإنسان وعلى تصرفاته، ومن ثم اعتبر الخبراء والمتخصصون أن صياغة السياسات الإعلامية مسؤولية وطنية بالمقام الأول، ولذلك يحرص مثقفو العالم من علماء ومفكرين على تنفيذ حملات مضادة لكل من تسول له نفسه المساس باستقرار المجتمع، وتكريس حب المواطن وانتمائه وولائه في سبيل المحافظة على تراب الوطن وسيادته.
ومن خلال وسائل الإعلام أيضا يتم بث ونشر كل ما يمكن استفادة البشرية منه، من بحوث وتجارب واختراعات واكتشافات، كما يمكن تبادل وجهات النظر والأفكار بما يثري عقول المتلقي، ما يدفع المجتمعات للتقدم وبالتالي تزداد الثقافة والمعرفة لدى الجميع.
إن الإعلام كلمة اتسع مدلولها بدرجة أصبح من الصعب تعريفها ولم يعد الإعلام على حالته التقليدية يتحكم فيه نخبة بل أصبح ملكا ومتاحا لجميع شرائح المجتمع وأفراده كمواقع التواصل الإجتماعي وصحافة المواطن وغيرها، وقد نجح هذا الإعلام الجديد في تحويل عدة قضايا إلى قضايا رأي عام، تفاعل المسؤولون بالدولة معها، واتخذوا قرارات لمعالجتها ووضع حلول عاجلة بشأنها.
تتمركز مسؤولية الإعلام حول نقل المعلومات وتقديم المعرفة المتعددة إلى المتلقي وتبني وجهات نظر وقضايا وطنية ومحاولة إقناع الجمهور بها من خلال عدة أساليب أهمها: اختيار الآلية المناسبة للطرح والتوقيت المناسب، وكذلك المؤثرات لقبول وجهة النظر، كما في وسائل الإعلام المرئية، من أجل النهوض بالمجتمع والحفاظ على استقراره.
في مواجهة ذلك، نجد بعض وسائل الاعلام التي تفتقد المصداقية تقف على جبهة مناهضة لتقدم المجتمع واستقراره، وتفرغت لبث الإشاعات وحشد التأييد الكاذب لها للحصول على مكاسب أو الضغط على جهات من خلال تلفيق وتضخيم الأخبار بما يخدم الجهة المتبنية لوسيلة الإعلام، ولكن سرعان ما يكتشف المجتمع زيف ما تردده وسائل الاعلام هذه.
ولا شك أن الإعلام إذا استكمل مقوماته ووسائله الصحيحة وأحسن استخدامه وتوجيهه في مجتمع ما، كان قوة دافعة كبرى للبناء والتطور والنهوض بالمجتمع، فالثورة الإعلامية أو تكنولوجيا الإعلام التي يشهدها العالم قلبت الموازين وأضحى الإعلام ركيزة أساسية في بناء الدولة واستقرارها وتنميتها، بل بات من مقومات ورموز السيادة الوطنية.
وفي دراسة لباحثين بكلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية، هما: جيمس بوتسل ويوست، فان دير زفان، يقول بوتسل: "تنص النظرية التقليدية على أن تأتي عملية إرساء الإعلام المستقل في مركز جهود تدعيم الأمن وإدارة الحكم والتنمية بعد الأزمات والحروب، لكن نتائج أبحاثنا تشير إلى أنه عندما تكون الدولة ضعيفة والعملية السياسية غير مستقرة وفاقدة للشرعية، ينبغي أن يكون الهدف الأولي لمنح المساعدة هو دعم بناء دولة قائمة بوظائفها".
وهنا يتضح الدور الكبير والخطير الذي يستطيع الإعلام أن يسهم به في تطوير المجتمع بشتى فئاته وقطاعاته وحل مشكلاته، حيث يري خبراء وعلماء الإعلام أنه في مرحلة ما بعد الثورات، على وجه التحديد، يجب أن يكون للإعلام ووسائله دور قومي في تشكيل الرأي العام وطرح قضايا وموضوعات سياسية واقتصادية واجتماعية يلتف حولها جموع المواطنين، والارتقاء بالبناء المعرفي والإدراكي للمواطن في كافة المجالات، ذلك بجانب دور الإعلام التقليدي فى نشر الأخبار المختلفة من جميع دول العالم، وتكون وسائل الإعلام فى هذه الحالة إيجابية وفي صالح توعية المواطن والارتقاء بمجتمع مطلع قادر على التفكير والتحليل وربط واقع الأحداث والمشاهدات من حوله بالصورة الذهنية التي ترسمها وسائل الإعلام لتحقيق استقرار المواطنين والحفاظ على السيادة الوطنية للدولة.
إن المجتمع اليوم بحاجة ماسة إلى تربية إعلامية سليمة، تعمل على ترسيخ قيم المواطنة وتثقيف الأجيال وإكسابهم آليات التفاعل مع العولمة وتعبئة الشباب لمواكبة الوقائع والأحداث، ومساعدتهم على إدراك حقوقهم وواجباتهم ومواجهة الشائعات والتضليل ومحاربة الانحرافات الفكرية، كما أن للتربية الإعلامية دورا بارزا في إكساب النشء الثقافة الاجتماعية النقية ومهارات النقد والتحليل التي تساعد على الاتصال والتواصل الفعال في عصر التكنولوجيا والوسائل الحديثة.
ومثلما يدعم الإعلام القيم السائدة في المجتمع ويسعى إلى تثبيتها فإنه مطالب أيضا بالمساعدة على خلخلة الظواهر السلبية ومكافحتها ومناهضتها كونها معوقا أساسيا لنهوض المجتمع وتقدمه، ومن أسس نجاح العملية الإعلامية أن تبنى على سياسات واضحة وتكون لها استراتيجية هادفة الى ضمان التطور الإجتماعي الايجابي الذي يؤدي فيه الإعلام دورا محوريا بما يمتلكه من أساليب مؤثرة ووسائل متعددة ورسائل اتصالية قادرة على النفاذ والتأثير إذا ما أجيد تصميمها بحيث تحمل الفكرة السليمة في الوقت المناسب من أجل تحقيق النتائج المرجوة للوطن والمواطن والتي تتطلب جهدا في عملية التوصيل وجهدا آخر في عملية التقويم والمتابعة.
ومن المعلوم، أنه بعد موجة الربيع العربي ، انتشرت وتعددت صناعة الإعلام الفضائي في المنطقة، واستفادت قنوات بث الكراهية الدينية والطائفية من هذه الموجة من الحرية المفرطة والتي وصفها الكثير بأنها فوضى اعلامية وصلت إلى تقنين العنف في وسائل الإعلام وإيهام المشاهدين بأن العالم هو مكان أكثر خطورة، مما يجبرهم على سلوك طرق أكثر عنفا لحماية أنفسهم، إنها أشبه بعملية توليد للعنف، وقد أثبتت أبحاث أن الذين يشاهدون بعض الفضائيات لفترات طويلة يميلون إلى رؤية العالم في صورة مخيفة وعنيفة، وغدت بعض وسائل الإعلام شريكا أساسيا في صناعة الفتن والاقتتال بين أبناء الوطن.
آن الأوان كي تتحول بعض وسائل الإعلام من أبواق محرضة على الفتن والفوضى إلى منابر داعية وداعمة لاستقرار المجتمعات ومساندة لنهوض وتقدم وازدهار الوطن، وأن تساعد في حشد إرادة وعزيمة الشعب نحو تحقيق الأهداف الوطنية والقومية للدولة.