تقارير: سحب الباتريوت وتهديدات داعش.. تقليم لأظافر "أردوغان"
لم يعد الحديث عن أن الأوضاع على الساحة التركية ليست على أحسن ما يرام هو من باب التحليل السياسي فقط، لا سيما في ظل المواجهات التي يخوضها الجيش مع مقاتلي حزب "العمال الكردستاني"، بالتزامن مع الهجمات التي قام بها تنظيم "داعش" الإرهابي، بالإضافة إلى فشل زعيم حزب "العدالة والتنمية" أحمد داوود أوغلو في تشكيل حكومة جديدة، بسبب نتائج الإنتخابات التشريعية التي أفرزت واقعاً لم يكن في الحسبان، إلا أن طريقة تعامل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع التطورات المتسارعة لا توحي بالقدرة على الخروج من المستنقع خلال وقت قصير.
في بداية الأحداث السورية، كانت الطموحات التركية كبيرة جداً، لناحية الإستفادة من الواقع المستجد على مستوى المنطقة لبناء نفوذ عابر للحدود، خصوصاً أن حالة الركود السياسي في أغلب البلدان العربية كرست تنظيم "الإخوان المسلمين"، الذي ينحدر منه "العدالة والتنمية"، فريقاً أولاً فيها، كونه الأكثر تنظيماً وقدرة على الحشد والتوجيه، بسبب مرور العشرات من السنوات على تأسيسه، وإستمراره بالعمل بعيداً عن الأضواء في الحالات التي يكون فيها ملاحقاً من قبل حكومات تلك البلدان، إلا أن الضربة التي تلقاها التنظيم في مصر عبر إسقاط الرئيس السابق محمد مرسي قلبت الموازين رأساً على عقب.
إنطلاقاً من ذلك، ترى مصادر مراقبة، عبر "النشرة"، أن وضع أنقرة في الوقت الراهن، تحديداً مشروع أردوغان السياسي، يشبه إلى حد بعيد المدمن على المخدرات، الذي يعمل على زيادة الجرعات التي يتناولها، على أمل التنعم بالراحة النفسية والمادية، بدل الذهاب إلى العلاج، أو حالة المقامر الذي يخسر كل أمواله بسبب رهانه على إستعادة ما فقده في الجولات الأولى.
وتشير هذه المصادر إلى أن الأزمة الأساس، التي يمر بها الرئيس التركي، تكمن في خسارته الرهان على تحويل النظام السياسي في البلاد إلى رئاسي، في خطوة كان من المفترض أن تكرسه زعيماً مطلقاً على بلاده لسنوات طويلة، وتلفت إلى أن الرجل عمل على الإعداد النفسي لهذه المرحلة طويلاً، لا سيما لناحية طريقة إستقباله زعماء العالم باسلوب "السلاطين"، وتعتبر أن كل القرارات التي يتخذها بعد نتائج الإنتخابات التشريعية تأتي كـ"ردة فعل" لا أكثر.
وفي هذا السياق، تشير هذه المصادر إلى أن ما يقوم به أردوغان "يورط" بلاده كل يوم أكثر من السابق، في قضايا ستكون لها تداعيات كبيرة عليها، لا سيما لناحية علاقاته مع باقي دول العالم، وتعتبر أن القرارين الأميركي والألماني بسحب صواريخ "الباتريوت" من أنقرة يصبان في هذا الإتجاه، خصوصاً أنهما يأتيان في وقت تعلن الحكومة التركية عزمها على إقامة منطقة عازلة أو آمنة في الداخل السوري، في حين تعارض كلٌ من واشنطن وبرلين هذا التوجه بشكل مطلق بسبب علاقتهما الجيدة مع الأكراد، لا سيما أن الهدف التركي هو إستهداف قوات "حماية الشعب"، حتى ولو كان المعلن محاربة "داعش"، تحت عنوان: "تهديده الأمن القومي".
وفي حين بات معلوماً الدعم الذي كانت تحظى به مختلف الجماعات المسلحة في الداخل السوري من جانب أنقرة، الذي لا ينفصل عن غض النظر عن دخول المقاتلين الأجانب عبر حدودها في القترة السابقة، الذين باتوا الهم الأول لدى الدول الغربية، ولا عن شراء النفط وتهريب الآثار بالتعاون مع "داعش"، تلفت هذه المصادر إلى أن الإجراءات المشددة التي بدأت السلطات التركية تطبيقها ضد عناصر التنظيم الإرهابي والمتعاونين معه سيكون لها ردات فعل خطيرة، وتذكر بأن المكتب الإعلامي في ما تسمى بـ"ولاية الرقّة"، التابع لـ"داعش"، بث في الأيام الأخيرة إصداراً جديداً بعنوان "رسالة إلى تركيا"، هدّد من خلاله، عبر عدد من عناصره الأتراك، أنقرة بـ"الانتقام"، ملمحاً إلى إمكانية تقسيم البلاد بالقول: "إذا استمر العميل أردوغان باستخدام أراضيكم قواعد للطيران الصليبي حفاظاً على ملكه الزائل، فقريبا سترون شرق البلاد بيد البي كي كي(1) الملحدين، وغربها بيد عبّاد الصليب".
وتوضح المصادر المراقبة أن من يدرك طريقة عمل "داعش"، الذي يستخدم أداة من قبل أكثر من جهة إقليمية ودولية لتحقيق مشاريع سياسية، لا يمكن له الفصل بين سحب "الباتريوت" والتهديد الأخير، وتعتبر أن هناك إرادة قوية على ما يبدو لدفع أردوغان إلى التراجع، من خلال التهديد بالإرهاب، بالتزامن مع الأزمة المفتوحة التي يعيشها مع المكون الكردي في الداخل، نتيجة الحملة على "العمال الكردستاني".
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هذه جملة من المشاكل التي لا يحسد عليها الرئيس التركي، إلا أنها توضح أن الخطر الأساس يكمن في كيفية إدارته الإنتخابات التشريعية المبكرة التي سيدعو لها قريباً، لا سيما أن كل العوامل السابقة لن تكون مساعدة له، لا بل ستكون من أبرز أوراق قوة خصومه في المعركة، وتضيف: "على الأرجح سنشهد تراجعاً جديداً في النسبة التي سيحصل عليها".
في المحصلة، تركيا هي من أكثر الدول التي ستشهد تطورات متسارعة في المرحلة الراهنة، فهل تنجح في الخروج من أزماتها أم ستكون النتائج كارثية على أوضاعها الداخلية؟