عاجل
الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

كوارث سوء الظن

سمعت عشرات القصص التى تسبب فيها سوء الظن بهدم علاقات زوجية مستقرة وطيبة. فما أن يدخل سوء الظن فى سلوك أحد الزوجين حتى يؤدى إلى انعدام الثقة، وتتطور الأمور إلى قطيعة ومشاجرات حول تفاصيل لا علاقة لها بالموضوع الذى أثار الشكوك.

 

 وحتى إذا تبيّن أن الأمر كان له وجه آخر ولا يستحق سوء الظن، يكون الطرفان قد تورطا، ولم يعد أى منهما مستعداً لتصديق الطرف الآخر، فتكبر الأزمة وتتوسع.

 

 وعندما تخرج إلى الأقارب والأصدقاء تزداد تعقيداً، ويبدأ كل منهما فى الاستعداد لمرحلة الانفصال والطلاق، فتتسع الهوة، وتتحول الشكوك التى لم يكن لها وجود - وأحياناً تكون مفتعلة - إلى سبب للطلاق فى بيت كان يسوده الهدوء.


القصص كثيرة، وقد تبدأ بوشاية، أو العثور على شيء يتم تفسيره على نحو خاطئ، فيبدأ الطرف المتشكك بالبحث والتنقيب عما يؤكد ظنونه، ويكون مستعداً لتصديق كل ما يدعم هذه الظنون ويستبعد أى أدلة على حسن النية.

 

 فعندما ينزلق طرف إلى عدم الثقة، لا يرى إلا ما يؤكد ظنونه، ولا يصدق من يدحضون تلك الشكوك، بل قد يضعهم فى خانة الخصوم، ويناصبهم العداء. وهكذا تتسع الهوة لتسقط فيها الأسرة وتتحطم. 


وسوء الظن لا يهدم الأسرة فقط، بل يمتد ليهدم صداقات وعلاقات عائلية؛ فيخسر الأخ أخاه، والصديق صديقه. والمحزن أن سوء الظن سرعان ما ينتشر مثل الأمراض المعدية، ويتسبب فى عقد نفسية، ويصبح الشك وسوء الظن مقدّماً على حسن النية، وتتسع الأضرار إلى مجتمع أوسع، حيث يسود انعدام الثقة فى العلاقات الزوجية والأسرية والصداقة.

 

 بل إن الدول تتعرض لمثل هذه الأزمات، وتحدث مشكلات دولية قد تصل إلى إعلان الحرب بسبب سوء الظن وانهيار الثقة بين الدول المجاورة أحياناً. فعندما تطور دولة ما أسلحتها أو تجرى مناورة عسكرية، قد تعتقد دولة مجاورة حدث بينهما خلاف بسيط أو طارئ، أنها أصبحت مستهدفة بالحرب، فتبدأ فى الاستعداد، وأحياناً قد تشن اعتداءات استباقية، ويتحول سوء ظن بسيط إلى حرب مدمرة. 


بل كادت تحدث حرب عالمية، بل نووية، بين الاتحاد السوفييتى والولايات المتحدة بسبب سوء الظن، عندما رصد الاتحاد السوفييتى صواريخ تابعة لحلف الناتو فى تركيا، فظن أنها أسلحة نووية، وقرر أن يرد بنشر صواريخ مماثلة فى كوبا. وكاد الأمر يصل إلى القتال عندما حاصرت قوات أمريكية الجزيرة الكوبية، ورفع الطرفان حالة الطوارئ النووية، وتم تفكيك الأزمة فى اللحظات الأخيرة. 

 

وتكررت هذه الأزمات فى حروب أخرى، آخرها الحرب الأوكرانية، نتيجة تشابه الصواريخ التى تحمل ذخائر تقليدية وتلك التى تحمل ذخائر نووية؛ حيث هددت روسيا بحرب نووية إذا تم إطلاق صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية عليها.
 

إن ديننا الحنيف يحثنا على حسن النية، وعدم الأخذ بالظنون، حتى لا نسقط فى دوامة انعدام الثقة وهدم علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية.