لغز جيولوجي عمره 50 عاما.. العلماء يكتشفون أخيرا سر منطقة غامضة في باطن الأرض

كشفت دراسة علمية حديثة عن ظاهرة جيولوجية مذهلة على عمق 2700 كيلومتر تحت سطح الأرض، ما يحل لغزا استعصى على العلماء لأكثر من 50 عاما.
وتوصل العلماء، بقيادة البروفيسور موتوهيكو موراكامي، خبير فيزياء المعادن التجريبية في المعهد الفدرالي السويسري للتكنولوجيا (ETH Zurich)، إلى أن الصخور الصلبة في الطبقات العميقة من الأرض تتدفق بشكل بطيء يشبه حركة السوائل، رغم أنها تحتفظ بخصائص المواد الصلبة.
ويمثل هذا الاكتشاف نقلة نوعية في فهمنا لديناميكيات باطن الأرض، حيث يحل لغزا ظل عصيا على العلماء لأكثر من خمسة عقود.
وفي منطقة الحدود بين الوشاح الأرضي السفلي والنواة الخارجية، توجد طبقة غامضة تعرف بالطبقة D، على عمق يقارب 2700 كم تحت سطح الأرض. ولعقود، لاحظ العلماء أن الموجات الزلزالية تتسارع بشكل مفاجئ عند مرورها بهذه الطبقة وكأنها تعبر وسطا مختلفا تماما، لكنهم لم يتمكنوا من تفسير السبب.
وفي عام 2004، اكتشف البروفيسور موراكامي أن معدن "البيروفسكيت" (perovskite) - المكون الرئيسي للوشاح السفلي للأرض - يتحول تحت ضغوط وحرارة هائلة إلى معدن جديد يسمى "ما بعد البيروفسكايت" (post-perovskite).
والآن، من خلال سلسلة من التجارب المخبرية المتطورة والنمذجة الحاسوبية الدقيقة، تمكن الفريق من كشف النقاب عن آلية معقدة تتعلق بتحولات المعادن تحت الضغوط الهائلة ودرجات الحرارة المرتفعة السائدة في تلك الأعماق السحيقة. حيث اكتشفوا أن معدن "البيروفسكيت" يخضع لتحول بلوري عند هذه الحدود ليتحول إلى "ما بعد البيروفسكيت"، ولكن المفاجأة الأكبر كانت في اكتشاف أن هذه البلورات الجديدة تنظم نفسها في اتجاهات محددة عندما تتعرض لتدفق الصخور الصلبة في تلك المنطقة.
وهذا التدفق الفريد للصخور الصلبة، الذي يشبه إلى حد ما حركة الحمل الحراري في السوائل لكنه يحدث في مواد صلبة، يقدم تفسيرا شاملا للسلوك الغريب للموجات الزلزالية في تلك المنطقة. حيث يؤدي الانتظام المتماثل لبلورات "ما بعد البيروفسكيت" تحت تأثير هذا التدفق إلى تغير خصائصها الفيزيائية بشكل يجعلها تعمل كمرشح اتجاهي للموجات الزلزالية، ما يفسر ظاهرة التسارع المفاجئ التي لاحظها العلماء لعقود.
ولا تقتصر أهمية هذا الاكتشاف على حل اللغز العلمي فحسب، بل تفتح آفاقا جديدة لفهمنا لآليات عمل الكوكب الذي نعيش عليه. فحركة الصفائح التكتونية على السطح، والنشاط البركاني، وحتى المجال المغناطيسي للأرض، جميعها عمليات مرتبطة بشكل أو بآخر بما يحدث في تلك الأعماق السحيقة. وهذا الاكتشاف يقدم قطعة أساسية كانت مفقودة في أحجية ديناميكيات الأرض الداخلية.
ويؤكد البروفيسور موراكامي أن هذه النتائج تمثل نقلة نوعية في علوم الأرض، حيث تتحول فرضية كانت محل جدل لعقود إلى حقيقة علمية مثبتة. كما يفتح هذا الاكتشاف الباب أمام أبحاث جديدة تهدف إلى رسم خريطة دقيقة لتيارات المواد في أعماق الأرض، ما سيمكن العلماء من فهم أفضل للعمليات الجيولوجية التي تشكل كوكبنا وتؤثر على حياتنا على السطح.