تحت وطأة الحرب.. الاقتصاد الأوكراني على حافة الهاوية
تحت وقع الحرب المستمرة والهجمات المتكررة على البنية التحتية، يواصل الاقتصاد الأوكراني السير على حافة الهاوية، إذ تكبد منذ بداية الحرب مع روسيا خسائر بلغت 1.3 تريليون دولار، وفق دراسة لمعهد كييف للاقتصاد.
ومع كل هجوم روسي جديد، يزداد الضغط على القطاعات الاقتصادية الحيوية في أوكرانيا، خاصة قطاع الطاقة، الذي أصبح هدفًا مباشرًا للهجمات الروسية، مسببًا انقطاعات واسعة في الكهرباء والتدفئة.
في ظل هذه التحديات، أقر صندوق النقد الدولي برنامج مساعدات جديدًا لأوكرانيا بقيمة 8.2 مليار دولار على 4 سنوات، لدعم الإصلاحات الاقتصادية ومعالجة العجز المالي المتوقع بين 2026-2029، خلفاً لبرنامج سابق قيمته 15 مليار دولار.
وأشادت نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، بمرونة الاقتصاد الأوكراني، مؤكدة استمرار عمله رغم أصعب الظروف.
ومع توقعات صندوق النقد بنمو اقتصاد أوكرانيا بنسبة 2% في 2025، مع بقاء المخاطر الاقتصادية في أعلى مستوياتها، تواجه كييف اختبارًا قاسيًا على جميع المستويات.
ويؤكد خبراء أن الحرب كبدت أوكرانيا أثمانًا باهظة على مستوى الخسائر البشرية والاقتصادية وقطاع الطاقة، خاصة أن الاقتصاد الأوكراني، رغم إمكاناته الزراعية والصناعية تأثر بصورة حادة بعد تدمير البنية التحتية والمنشآت الحيوية.
ويرون أن تفاقم الأضرار يضع أوكرانيا أمام خيارين صعبين، هزيمة عسكرية قد تؤدي إلى انهيار الدولة، أو أزمة اقتصادية خانقة قد تجبرها على قبول المبادرات الروسية–الأمريكية قبل فوات الأوان.
ثمن باهظ
المحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية، الدكتور سمير أيوب، قال إن الحرب الروسية الأوكرانية كبدت كييف أثمانًا باهظة، شملت الخسائر البشرية الهائلة، والتداعيات الاقتصادية الكبيرة، والانهيارات الملموسة في قطاع الطاقة.
وأشار أيوب إلى أن أوكرانيا تواجه اليوم 3 تحديات رئيسية، أولها الضغط العسكري المستمر على الجبهات، ثانيها الضغط السياسي الأمريكي الذي يسعى لإجبار كييف على قبول مبادرة الرئيس ترامب، وثالثها أزمة الفساد التي وصفها بالأخطر.
وأشار إلى أن الاقتصاد الأوكراني يفتقد لموارد داخلية كافية، رغم أن البلاد تملك قدرات زراعية وصناعية كبيرة، لكن الحرب المستمرة أثقلت كاهلها بخسائر جسيمة، ما يجعل إعادة بناء المصانع أو إنشاء أخرى جديدة بحاجة إلى دعم أوروبي عاجل.
وأكد أن الدول الأوروبية، رغم تشجيعها كييف على الاستمرار في الحرب، تبدو عاجزة عن تغطية احتياجاتها المالية، ما يدفع الغرب لمحاولة مصادرة الأصول الروسية أو الضغط لقبول المبادرة الأمريكية التي قد تضمن تعويضات من روسيا عن الخسائر.
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الضغوط الاقتصادية، خاصة في قطاع الطاقة، أكبر بكثير مما توقعت أوكرانيا، وأن محاولاتها للرد عبر ضرب منشآت روسية لا توازي حجم الدمار الذي أحدثته روسيا داخل أوكرانيا.
وأكد المحلل السياسي أن روسيا رغم بعض الصعوبات الاقتصادية تمكنت من تجاوز آثار العقوبات الغربية التي لم توجه الضربة القاضية لاقتصادها، وأن قدراتها العسكرية والاقتصادية لا تزال تفوق أوكرانيا، خاصة أن الحرب تُخاض على الأراضي الأوكرانية، ما يزيد الدمار داخلها.
تفوق روسي
من جانبه، قال الأستاذ في كلية الاستشراق بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، رامي القليوبي، إن هذا التطور كان متوقعًا إلى حد كبير، مشيرًا إلى أن روسيا منذ بداية الحرب تتفوق على أوكرانيا اقتصاديًا بشكل واضح.
وذكر في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الاقتصاد الروسي يبلغ ناتجه المحلي الإجمالي نحو تريليوني دولار سنويًا، وكان الاقتصاد الأوكراني يقترب من حدود 200 مليار دولار قبل الحرب، واليوم أصبح أقل بكثير بعد الدمار الواسع الذي لحق به
وأكد أن عدد سكان روسيا يفوق عدد سكان أوكرانيا، ما يمنح موسكو قدرة أكبر على تجديد القوى البشرية ودعم المجهود الحربي، في حين تعتمد كييف بشكل شبه كامل على الدعم الغربي.
ولفت الأستاذ بالمدرسة العليا للاقتصاد إلى أن هذا الدعم ساعد أوكرانيا على الصمود لفترة معينة، إلا أن الأمور تعود تدريجيًا إلى مسارها الطبيعي في ظل تعرض الاقتصاد الأوكراني لضغوط وخسائر كبيرة.
وأشار القليوبي إلى أن قطاعات الاقتصاد والطاقة في أوكرانيا تأثرت بصورة حادة، لا سيما بعد تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية والمنشآت الحيوية على يد الجيش الروسي، ما جعل قدرة كييف على مواصلة الحرب في وضع أكثر هشاشة وتعقيدًا.
ورأى أن المرحلة المقبلة قد تشهد مزيدًا من التدهور في القدرات الاقتصادية الأوكرانية إذا لم يتوافر دعم مالي وتكنولوجي مستمر من الغرب.
وأوضح أن استدامة الدعم الغربي ليست أمرًا محسومًا، خاصة مع التحديات الاقتصادية والسياسية داخل بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، التي تمارس ضغوطًا على كييف لقبول مبادرة ترامب للسلام.
وأكد القليوبي أن روسيا تراهن على عنصر الزمن، إذ إن استمرار الضغط على البنية الاقتصادية الأوكرانية سيجعل كييف في موقع تفاوضي أضعف، وهو ما قد يدفع بالأزمة نحو مسار جديد يعتمد على موازين القوى الفعلية على الأرض.