استراتيجية الأمن القومي الجديدة..هل تترك أمريكا الشرق الأوسط لـ"التنافس الحر"؟
تؤكد استراتيجية الأمن القومي لعام 2025، التي أصدرها البيت الأبيض نهاية الأسبوع الماضي، أن الشرق الأوسط لم يعد "العنصر المهيمن" في أجندة واشنطن، مع تحويل التركيز نحو النصف الغربي (الأمريكيتان) والمحيط الهادئ-الهندي كساحة رئيسة للمنافسة الجيوسياسية والاقتصادية.
وتمثل هذه الخطوة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفق خبراء، "كسراً للتقاليد" التي كانت متّبعة لعقود طويلة، حيث كان الشرق الأوسط يشكل محوراً للأولويات الأمريكية.
وتطرح الاسترايجية تساؤلات عدة عن دلالات هذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية، وإن كانت تعني انتهاء "عصر الشرق الأوسط" في اهتمامات واشنطن.
كما تلقي ظلالاً ثقيلة حول مستقبل الصراعات الإقليمية بعد الفراغ الأمني الذي سيظهر بعد الانسحاب الأمريكي من قضايا المنطقة، وتثير شكوكاً حول فرص السلام وقلقاً من نشوب حروب أخرى.
وبحسب خبراء لـ"إرم نيوز"، فإن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي 2025، تُعلن صراحة أن "النصف الغربي من الكرة الأرضية" و"المحيط الهادئ-الهندي" باتا الساحتين الرئيسيتين للتنافس العالمي، فيما تتراجع المنطقة العربية والشرق الأوسط إلى مرتبة "منطقة انخراط انتقائي قائم على المصالح المتبادلة"
لكن هناك آراء تشدد على أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة لا تعني انسحاباً كاملاً من منطقة الشرق الأوسط، بل تمثل "تخلّياً انتقائياً"، حيث ستبقى أمريكا موجودة عندما تكون مصالحها الاقتصادية أو الاستخباراتية مهددة، لكنها لن تُقاتل نيابة عن الآخرين.
كما يعتقد خبراء أن تراجع الأولوية للشرق الأوسط في السياسية الأمريكية لا يعني كذلك رفع العقوبات أو وقف تنفيذ الضربات ضد أي دولة تشكل تهديداً مباشراً لمصالحها، لكنه يعني أن واشنطن لن تُنفق المزيد من الدماء والأموال على لاحتواء صراعات المنطقة على حساب مصالحها المباشرة.
ويتوافق هذا التوجه مع تصريحات العديد من المسؤولين في واشنطن التي أكدوا أن أمريكا أنفقت مليارات الدولارات وخسرت آلاف الجنود خلال السنوات الماضية، وقد حان الوقت أن يدير الحلفاء شؤونهم بأنفسهم، على أن تبقى حاضرة عندما تكون مصالحها الحيوية مهددة بشكل مباشر.
نهاية عصر
يرى المحلل السياسي إرحيم النوباني، أن اعتبار الشرق الأوسط ثانوياً في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية 2025 ليس مجرد إعادة ترتيب، بل "إعلان نهاية عصر الشرق الأوسط" في السياسة الأمريكية، مع تركيز على المنافسة مع الصين وروسيا في مناطق أخرى.
والتعامل مع الشرق الأوسط بهذا المنطق، وفق النوباني، سيُؤدّي إلى فراغ أمني، مما سيُغذّي الصراعات في المنطقة خلال الفترة القادمة، مشيراً بهذا الخصوص إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الذين اعتبروا الاستراتيجية الأمريكية تأكيدا على حرية عمل تل أبيب في مواجهة التهديدات في المنطقة.
ويعتقد النوباني في تصريح لـ "إرم نيوز" أن إسرائيل ستواصل الحصول على دعم لوجستي واستخباراتي أمريكي، ولن تجد من يُوقف عملياتها إذا تجاوزت الخطوط الحمراء في المنطقة، معتبراً أن هذا سيعني بالضرورة فتح سباق تسلح إقليمي جديد، حيث ستسعى كل دولة للتسلح وتعزيز قدراتها العسكرية للدفاع عن نفسها في مواجهة أي مخاطر تتعرض لها.
منطقة ثانوية
بينما يذهب المحلل السياسي ياسين الدويش، إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ترفع من أولوية "الدفاع عن الوطن"، بما في ذلك تأمين الحدود والسماء، مع تقليل الالتزامات العالمية التي كانت ترتكز عليها الاستراتيجية الأمريكية منذ الحرب الباردة.
ويشير في تصريح لـ "إرم نيوز" إلى أن الشرق الأوسط، الذي كان يحظى باهتمام كبير في الاستراتيجيات الأمريكية السابقة أصبح الآن "منطقة ثانوية"، مع التركيز على المنافسة مع الصين في المحيط الهادئ كـ"ساحة المعارك الجيوسياسية الرئيسية لهذا القرن".
وهذا التوجه، وفق الدويش، يعني أن واشنطن ستتعامل مع المنطقة "على أساس المصالح الاقتصادية المتبادلة"، دون التزام عسكري واسع النطاق كما كان عليه الوضع في السابق.
كما يرى أن الاستراتيجية الأمريكية تشكل ترجمة حرفية على أرض الواقع لمبدأ "أمريكا أولاً"، حيث تم ربط الأمن القومي بالاقتصاد الداخلي، مثل مكافحة الهجرة والمخدرات في النصف الغربي، وتقليل الإنفاق على الشرق الأوسط لصالح الاستثمار في الصناعة الأمريكية.