الكونغرس في مواجهة ترامب.. هل يقطع المشرّعون طريق الحرب على فنزويلا؟
بموازاة التصعيد العسكري الأمريكي في الكاريبي، ومصادرة ناقلة نفط فنزويلية قبالة السواحل، يتصاعد في واشنطن حراك سياسي من نوع آخر؛ معركة داخل الكونغرس لفرملة اندفاعة الرئيس دونالد ترامب نحو حرب محتملة ضد فنزويلا، وإعادة تفعيل دور السلطة التشريعية في قرار السلم والحرب.
وخلال الأيام الماضية، قدم نواب وشيوخ ديمقراطيون وجمهوريون سلسلة مشاريع قرارات تستند إلى قانون صلاحيات الحرب الصادر عام 1973، في محاولة لجعل أي عمل عسكري ضد كاراكاس مشروعًا يحتاج تفويضًا صريحًا من الكونغرس، لا قرارًا منفردًا من البيت الأبيض.
من يقود تحرّك الكونغرس؟
في مجلس النواب، تقدّم النائب الديمقراطي جيم ماكغفرن، إلى جانب الجمهوري توماس ماسي، والديمقراطي خواكين كاسترو، بمشروع قرار حرب (War Powers Resolution) يهدف إلى منع إدارة ترامب من الانخراط في "أعمال عدائية داخل أو ضد فنزويلا"، ما لم يحصل الرئيس على تفويض مسبق من الكونغرس.
ووصف ماكغفرن أي عمل عسكري غير مخول بأنه "حرب غير قانونية"، واتهم ترامب بأنه "يجر البلاد إلى صراع جديد بدل أن يفي بوعوده بإنهاء الحروب".
وفي مجلس الشيوخ، تقدم السيناتور الديمقراطي تيم كين، المعروف بدفاعه المزمن عن تقييد صلاحيات الحرب للرؤساء، بمشروع قرارٍ موازٍ شارك فيه الجمهوري راند بول، وزعيم الديمقراطيين في المجلس تشاك شومر، إلى جانب السيناتور آدم شيف.
هذا المشروع ينص بوضوح على حظر استخدام القوات المسلحة الأمريكية في أعمال قتالية داخل أو ضد فنزويلا، إلا بتفويض صريح من الكونغرس.
وإلى جانب هؤلاء، ظهر اسم السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي، الذي حاول، وفق نقل مباشر من جلسة المجلس، تمرير مشروع عاجل يحظر أي عمل عسكري غير مخول ضد فنزويلا، قبل أن يقوم الجمهوريون بعرقلة المشروع على الفور.
فيتنام جديدة.. أم عراق آخر؟
ولا تقتصر دوافع المعسكر المعارض للحرب على الخلاف السياسي مع ترامب.
وفي الكواليس كما في التصريحات، تبرز ثلاثة هواجس أساسية أولها؛ الخوف من حرب استنزاف طويلة، حيث يتحدث مشرعون ديمقراطيون عن خشيتهم من انزلاق الولايات المتحدة إلى نزاع مفتوح في أمريكا الجنوبية، يشبه في بعض ملامحه تجربة فيتنام، خصوصًا مع تحذيرات صريحة صدرت عن مستشار السياسة الخارجية للرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، سيلسو أموريم، الذي اعتبر أن أي غزو لفنزويلا قد يتحوّل إلى "حرب إقليمية على نمط فيتنام، مع تورط قوى دولية أخرى".
ووجدت هذه التصريحات صدى واسعًا في أروقة الكونغرس وبين معارضي التصعيد.
الهاجس الثاني يتعلق بعبء الحروب السابقة، فكثير من المشرعين يستحضرون إرث العراق وأفغانستان، وتكاليف "الحروب الأبدية" على الخزينة الأمريكية والرأي العام.
وتشير تقارير تحليلية في واشنطن إلى أن جزءًا من القاعدة الانتخابية لترامب نفسها، صوّت له لأنه وعد بإنهاء تلك الحروب، ويرى معارضوه في الكونغرس أن التورط في فنزويلا سيكشف تناقض هذا الوعد.
أما الهاجس الثالث، الذي يدفع العديد من أعضاء الكونغرس لرفض الحرب، فيتعلق بالمنطلق الدستوري عند الجمهوريين المعارضين، فشخصيات مثل راند بول وتوماس ماسي تنطلق من موقف مبدئي ضد التوسع التنفيذي في صلاحيات الحرب، وتتمسك بأن الدستور يعطي الكونغرس وحده حق إعلان الحرب.
وهؤلاء لا يدافعون عن حكومة نيكولاس مادورو، بقدر ما يرفضون "شيكًا على بياض" لرئيس يستطيع، بضربة واحدة، جر البلاد إلى نزاع إقليمي جديد.
التصعيد في الميدان يسرّع معركة الصلاحيات
وتكتسب هذه المواقف حدة خاصة في ضوء التطورات الميدانية الأخيرة، فتحليق طائرات أمريكية مقاتلة فوق خليج فنزويلا في استعراض قوة، اعتُبر مؤشرًا على انتقال واشنطن من مرحلة "الضغط" إلى "التهديد المباشر".
كما أن سلسلة الضربات على ما تصفه الإدارة بـ"قوارب مخدرات" مرتبطة بكارتلات ووحدات عسكرية فنزويلية، تسبب بتشكيك قانوني متصاعد في شرعية هذه العمليات.
وأخيرًا، مصادرة ناقلة نفط ضخمة "سكِبر" تحمل نفطًا فنزويليًا قرب السواحل, في خطوة وصفتها كاراكاس بأنها "قرصنة دولية"، واعتُبرت في واشنطن ولندن تصعيدًا نوعيًا في حرب الضغط الاقتصادي.
هذه الإجراءات جعلت عددًا من أعضاء الكونغرس، ديمقراطيين وجمهوريين، يتحدثون عن أن ما يجري "يشبه بداية حرب، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميًا بعد".
هل يستطيع الكونغرس منع الحرب؟
ورغم الحراك الواسع، يبقى السؤال الأهم وفقًا للمراقبين: هل يمتلك الكونغرس الأدوات الفعلية لوقف أي مغامرة عسكرية؟.
إن قانون صلاحيات الحرب يسمح للمجلسين بأن يطلبا من الرئيس سحب القوات إذا لم يحصل على تفويض خلال مهلة زمنية، لكن؛ يتطلب تحويل مشاريع القرارات الحالية إلى قانون موافقة مجلسي النواب والشيوخ، ثم توقيع الرئيس.
وفي هذه الحالة، يمكن لترامب استخدام حق الفيتو، وهو ما يستدعي أغلبية الثلثين في المجلسين لتجاوزه؛ وهي أغلبية لا تبدو مضمونة في ظل الانقسام الحزبي الحالي.
كما يمتلك المشرعون أداة أخرى، هي تقييد التمويل عبر قوانين الموازنة، كمنع استخدام أي اعتمادات مالية لتمويل عمل عسكري ضد فنزويلا، لكن هذه الخطوة تحتاج أيضًا إلى توافق حزبي عريض، وغالبًا ما تصطدم باتهامات "إضعاف القوات المسلحة" في لحظة توتر خارجي.
وأظهرت تجارب سابقة، كما في محاولة الكونغرس تقييد دور الرئيس في اليمن أو ضد إيران، أن الرؤساء يمكنهم مواصلة عمليات محدودة مع الالتفاف جزئيًا على قرارات الحرب، بالقول إنها "دفاع عن النفس"، أو "عمليات محددة زمنيًا"، ما يجعل المعركة القانونية والسياسية أكثر تعقيدًا من مجرد تصويت رمزي.
ما بين فيتنام محتملة ومعركة دستورية مفتوحة
في المحصلة، يعكس المشهد الراهن مواجهة مبكرة بين البيت الأبيض والكونغرس حول فنزويلا؛ فرئيس يلوّح ببدء حملة برية "قريبًا جدًا"، ويصعّد بحرًا وجوًا واقتصاديًا، ومشرّعون يحاولون، عبر نصوص قانونية وتحالفات ثنائية الحزب، أن يضعوا سقفًا لهذا المسار، خوفًا من "فيتنام جديدة" في أمريكا الجنوبية، كما حذّر مسؤولون برازيليون وأصوات دولية أخرى.
فهل سيترجم هذا الجهد إلى كبح حقيقي لخيارات ترامب العسكرية، أم سيتحوّل إلى فصل جديد من فصول الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟.