مليارات الأثرياء الروس تهدد خزائن باريس وبروكسل
حذر تقريرٌ من معهدٍ فرنسي، من استغلال حلفاء الكرملين لثغرات قانونية في المعاهدات الاقتصادية القديمة التي تربط أوروبا بروسيا لمقاضاة الاتحاد الأوروبي وإجباره على دفع عشرات المليارات من اليوروهات؛ ما يهدد ميزانيات دعم أوكرانيا ومستقبل السياسة العقابية ضد موسكو.
وبحسب "لوفيغارو"، كشف التقرير المكون من 27 صفحة، أن هذه الإجراءات القانونية الجارية التي يرفعها أثرياء روس وشركات مرتبطة بالكرملين، تحظى بفرصةٍ كبيرة للنجاح؛ ما يضع الكتلة أمام تحدٍّ غير مسبوق؛ خصوصًا أنها تستند إلى اتفاقيات استثمار قديمة أُبرمت مع الاتحاد السوفيتي في الثمانينيات.
وتوضح الدراسة أن المبالغ التي قد يجد الاتحاد الأوروبي نفسه مضطرًا لدفعها تقترب من حجم المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا منذ 2022، والتي تجاوزت 60 مليار يورو، كما أن هناك فرصة كبيرة للطعن في العقوبات المفروضة على موسكو وطلب تعويضات ضخمة.
وحذر التقرير من أن بعض الأثرياء الروس بدؤوا بالفعل في استغلال هذه الثغرات، مستندين إلى معاهدات الاستثمار الثنائية التي وقعها الاتحاد الأوروبي مع الاتحاد السوفيتي حينها، ومن أبرز الأمثلة على هذه الدعاوى، مطالبة الملياردير الروسي ميخائيل فريدمان للوكسمبورغ بتعويض قدره 14.4 مليار يورو بسبب العقوبات الأوروبية التي استهدفت أعماله في مجموعة "ألفا"، كما تقدمت "سيفير قروب"، المملوكة لعائلة الأوليغارشي أليكسي مرداشوف، بدعوى ضد فرنسا للمطالبة بـ3.8 مليار يورو نتيجة رفض السلطات الفرنسية منحها تراخيص تعدين في "غويانا الفرنسية"، مستندة إلى معاهدة الاستثمار بين روسيا وفرنسا عام 1989.
وفي قضايا أخرى، استهدف رجل الأعمال الروسي-الأرمني سامفيل كارابتيان فرنسا لمصادرة فيلته على ساحل الريفييرا الفرنسية، فيما رفعت شركة الطيران الروسية Volga-Dnepr دعوى على كندا بعد إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات الروسية، مطالبة بـ100 مليون دولار على الأقل.
ويشير التقرير إلى أن 24 دعوى تحكيم معروفة ضمن "آلية تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول" تم رفعها حتى الآن، مع تهديدات بما يصل إلى 28 قضية متعلقة بالعقوبات، أي أن المبلغ المطالب به يصل إلى نحو 62 مليار دولار، وهو رقم يكاد يساوي حجم المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا، واحتمال أن تكون المبالغ الحقيقية أكبر بكثير نظرًا لغياب المعلومات حول مبالغ المطالبات في أكثر من نصف الحالات، وتتركز معظم الدعاوى على أوكرانيا، بينما تتوزع بقية المطالبات على بلجيكا، وفرنسا، وليتوانيا، ولوكسمبورغ، والمملكة المتحدة، وكندا.
القوة الحقيقية لهذه الآلية، كما يوضح المعهد، تكمن في سرية الإجراءات؛ إذ تُحال القضايا إلى هيئة تحكيم مكونة من 1-3 محكمين مستقلين، يتم اختيارهم من قبل الطرفين، وتُحدد قوانين التحكيم والجدول الزمني للإجراءات من قبل الأطراف نفسها، ويمكن لهذه الهيئة إصدار حكم نهائي لا يمكن الطعن فيه أمام القضاء، وهو ما يضع الدول الأوروبية أمام مخاطرة مالية كبيرة دون إمكانية استئناف القرار.
ورغم محاولات الاتحاد الأوروبي، عبر إجراءات في صيف 2025، لحماية دوله الأعضاء من التعويضات، مثل حظر تطبيق أي مدفوعات محتملة داخل الاتحاد، فإن اختيار موقع التحكيم خارج الاتحاد الأوروبي يمكن أن يُبطل هذه الحماية ويترك الباب مفتوحًا للطعن في القرارات.
ويبقى السؤال الرئيسي الذي يطرحه التقرير: هل ستنجح أوروبا في حماية خزائنها ودعم أوكرانيا في الوقت نفسه، أم أن مليارات الأثرياء الروس ستعيد رسم التوازن المالي والسياسي في قلب الاتحاد الأوروبي، مهددة مستقبلاً عقوبات موسكو؟