عاجل
الأربعاء 17 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الادارة
رجب رزق
رئيس التحرير
سامي خليفة
الرئيسية القائمة البحث

روسيا "تهديد طويل الأمد".. ماذا وراء رفض أوروبا الشرقية "الاطمئنان" للمفاوضات؟

بوتين في لقاء سابق
بوتين في لقاء سابق مع ستيف ويتكوف

بينما تتسارع جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية عبر مفاوضات مباشرة مع موسكو، تصاعدت حدة التحذيرات من دول شرق أوروبا، خاصة بولندا ودول البلطيق الثلاث، التي ترفض الاطمئنان لأي اتفاق سلام قد يُعقد دون ضمانات أمنية حقيقية. 

فهذه الدول التي تشترك في حدود مباشرة أو قريبة من روسيا وبيلاروسيا، تعتبر موسكو "تهديدًا دائمًا للأمن الأوروبي"، وتخشى أن تكون الهدف التالي بعد أوكرانيا.

الخوف من "سلام زائف" 
يحذر خبراء الأمن الأوروبيون من أن أي اتفاق وقف إطلاق نار يميل لصالح روسيا سيشكل الخطر الأكبر على مصالح الاتحاد الأوروبي في عام 2025، حسب استطلاع رأي أجراه معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية.

وتشير النتائج إلى أن ترك كييف بلا دفاع ومن دون مسار نحو الاندماج الأوروبي الأطلسي، قد يسمح للكرملين بإعادة التسلح وشن هجوم آخر في المستقبل القريب.

وفي هذا الإطار حذرت الخبيرة في العلوم السياسية ومديرة مركز الدراسات الدولية التابع للأكاديمية الدبلوماسية الأوكرانية، نادية كوفال، من تكرار أخطاء الماضي، قائلة: "في 2021-2022، تجاهل جزء كبير من المحللين كل الاستعدادات الروسية الفعلية للهجوم الشامل على أوكرانيا - حشد القوات على الحدود، حملات الدعاية الضخمة، التسليح المكثف، والتهديدات الصريحة على أعلى المستويات السياسية - كان يُنظر إليها كوسيلة ضغط سياسي فقط". 

وأضافت كوفال، في تصريح لـ"إرم نيوز": "الآن، بعد أربع سنوات، لدينا دليل قاطع بنسبة 100% على أن روسيا قادرة وراغبة في شن حروب دموية واستدامتها، مع تدمير مدن بأكملها، وخلق مناطق قتل على خطوط المواجهة، وملاحقة المدنيين بالطائرات المسيرة، واختطاف الأطفال، وتعذيب أسرى الحرب".

أما مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، فقد أشارت، في تصريح لمركز الإصلاح الأوروبي، إلى أنه "من الواضح أن روسيا لا تريد السلام؛ ولذلك نحتاج إلى جعل أوكرانيا قوية قدر الإمكان".

هذا التصريح يعكس القلق الأوروبي من أن محادثات السلام الأمريكية-الروسية، قد تتجاهل مصالح أوكرانيا وأوروبا.

"فجوة سوالكي"
يحدد الخبراء العسكريون "فجوة سوالكي"، وهي ممر ضيق بطول 60 ميلًا بين بولندا وليتوانيا، كواحدة من أكثر المناطق ضعفًا في الدفاع الأوروبي.

ومع كالينينغراد الروسية من الغرب وبيلاروسيا من الشرق، يمكن لروسيا الاستيلاء على هذا الممر الاستراتيجي، وعزل إستونيا وليتوانيا ولاتفيا عن بقية أوروبا.

يقول الدبلوماسي والمشرع الإستوني والرئيس السابق للاستخبارات، إيريك كروس: "البقاء يتلخص في أشياء بسيطة جدًّا: هل يعتقد الروس أنه سيكون هناك رد؟ وهل يعتقد الناخبون في أوروبا الغربية أن ذلك ضروري؟".

وتخشى دول البلطيق من أنه إذا بدا أنها تخسر أرضًا في الأيام الأولى من الحرب، فقد يتردد حلفاؤها في الناتو بالتدخل، أو يسعون إلى تسوية تفاوضية؛ لذلك فهي بحاجة إلى الصمود حتى وصول المساعدة، وإثبات أنها تستحق الإنقاذ.

استعداد للأسوأ
تقف بولندا ودول البلطيق (ليتوانيا، لاتفيا، وإستونيا) في طليعة الدول الأوروبية التي تتبنى موقفًا متشددًا تجاه التهديد الروسي.

ولا تكتفي دول شرق أوروبا بالتحذيرات الكلامية، بل تتخذ إجراءات عملية لتحصين دفاعاتها.

وتقوم دول البلطيق بإنشاء منطقة محصنة على طول حدودها مع روسيا وبيلاروسيا، بناءً على نموذج أوكراني بعرض 30 كيلومترًا، بهدف عزل وإبطاء القوات المعادية المتقدمة.

وهذا العام، ستنفق بولندا ما يقرب من 5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، أكثر من أي عضو آخر في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة. 

كما أعلنت ليتوانيا عن شراء قوارب هجومية سريعة مجهزة بقاذفات صواريخ بقيمة 22 مليون يورو، بينما تخطط بولندا لشراء ثلاث إلى أربع غواصات حديثة بحلول نهاية 2025.

وفي خطوة تاريخية، أعلنت ألمانيا في أبريل/نيسان الماضي عن نشر لواء مدرع يضم 5000 جندي في ليتوانيا، وهو أول انتشار عسكري ألماني في الخارج منذ الحرب العالمية الثانية.

"جدار الطائرات المسيرة" 
واستجابة لانتهاكات روسية متكررة للمجال الجوي الأوروبي، يناقش قادة الاتحاد الأوروبي إجراءات جديدة تشمل فكرة "جدار الطائرات المسيرة" في الجزء الشرقي من أوروبا، قرب الحدود الروسية، لاعتراض الطائرات المسيرة غير المصرح بها قبل دخولها المجال الجوي الأوروبي.

وقد أطلق حلف الناتو عملية "Eastern Sentry" التي تشمل دفاعات أرضية وطائرات من فرنسا وألمانيا والدنمارك وجمهورية التشيك وهولندا وبريطانيا؛ بهدف تعزيز الوضع الدفاعي لحماية الحلف.

قلق وجودي 
أما بالنسبة لدول شرق أوروبا، ليست الحرب في أوكرانيا صراعًا إقليميًّا بعيدًا، بل هي تهديد وجودي مباشر.

وقد عانت هذه الدول لعقود من الهيمنة الروسية والسوفيتية، لكنها تدرك أن أي ضعف في الموقف الأوروبي أو تراجع عن دعم أوكرانيا قد يشجع موسكو على المضي قدمًا في مشاريعها التوسعية.

ورغم أن بعض المحللين يشككون في قدرة روسيا على خوض حرب أخرى بينما تكافح في أوكرانيا، إلا أن دول البلطيق وبولندا تفضل الاستعداد للأسوأ على أمل الأفضل. 

وقال وزير الدفاع الإستوني، هانو بيفكور: "إذا تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم بين كييف وموسكو، فقد يتم إعادة نشر نحو 300,000 جندي روسي متواجدين حاليًّا على خطوط المواجهة في أوكرانيا إلى حدود روسيا مع دول البلطيق".

في النهاية، تبقى الرسالة واضحة من عواصم شرق أوروبا: لا ثقة في وعود موسكو، ولا اطمئنان لأي مفاوضات لا تضمن أمن أوكرانيا وسيادتها؛ لأن ما يحدث في كييف اليوم قد يتكرر غدًا في وارسو أو فيلنيوس أو تالين.