"العد التنازلي" بدأ في العراق.. حسم الرئاسات الثلاث أو "فوضى التوافقات"
تدخل العملية السياسية في العراق أيامًا حاسمة، مع اقتراب موعد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد في 29 كانون الأول/ ديسمبر، وسط حراك مكثف داخل البيوتات السياسية الثلاثة لحسم ملف الرئاسات؛ تمهيدًا للانتقال إلى استحقاق تشكيل الحكومة.
وتشير المعطيات إلى أن التحركات الجارية لا تنفصل عن ضغوط الوقت، بعد تأكيد السلطة القضائية على عدم جواز تأجيل الجلسة الأولى أو تمديدها، ما وضع القوى السياسية أمام اختبار عملي؛ لترجمة تفاهماتها إلى قرارات نهائية ضمن السقف الدستوري.
تحركات مكثفة
وفي هذا السياق قال الباحث السياسي علي السامرائي، إن "المؤثرين من الكتل السياسية الفائزة بالانتخابات يتحركون بوتيرة عالية؛ لبلورة قرار تتمحور حوله تفاهمات الشركاء، بهدف الحفاظ على زمام المبادرة، وضمان التأثير داخل البيوتات السياسية الأخرى، بما يفضي إلى مخرجات تخدم مصالح كل طرف".
وأضاف السامرائي، لـ"إرم نيوز"، أن "الجميع يدور حاليًا في حلقة واحدة، مع إدراك مشترك بوجود عوائق تعرقل حركة التوافق"، مشيرًا إلى أن "المكون السني يتجه لأن يكون أول من يكمل ترتيب بيته الداخلي، استنادًا إلى تراتبية السياقات الدستورية التي تبدأ بانتخاب رئاسة مجلس النواب، قبل الانتقال إلى رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الوزراء".
ولفت إلى أن "الإعلان عن مرشح رئاسة البرلمان قد يتم خلال الساعات المقبلة، مع بقاء هذا الموقع خارج دائرة التأثير المحوري في المعادلة العامة لأسباب فنية وموضوعية".
ويأتي هذا الحراك بالتزامن مع موقف قضائي واضح، إذ أكد رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان أن الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد يجب أن تنتهي بحسم تسمية رئيس المجلس ونائبيه، ولا يمكن دستوريًا أو قانونيًا تأجيلها، مع التشديد على ضرورة انتخاب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا بعد انتخاب هيئة رئاسة البرلمان.
خطوة أولى
وفي السياق ذاته، يشهد المجلس السياسي الوطني الذي يضم القوى السنية الفائزة بالانتخابات اجتماعات متواصلة؛ لوضع اللمسات الأخيرة على مرشح رئاسة البرلمان، فيما توصف هذه اللقاءات بأنها إيجابية، وتركز على ملفات رئاسة المجلس وحقوق المكون السني في المرحلة المقبلة.
في المقابل، شدد عضو الإطار التنسيقي محمود الحياني، على أن "حسم رئاسة مجلس النواب يجب أن يكون الخطوة الأولى بعد مصادقة المحكمة الاتحادية خلال المدة المحددة، يليها انتخاب رئيس الجمهورية وفق متطلبات الأغلبية الدستورية".
وأوضح الحياني، لـ"إرم نيوز"، أن "الخلافات ما تزال قائمة بشأن رئاسة الجمهورية، في ظل تمسك الأحزاب الكردية بالأعراف السياسية السائدة، وعدم حسم اسم المرشح حتى الآن"، مبينًا أن "الترشيح لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء حق دستوري مكفول لأي مواطن يستوفي الشروط القانونية، فيما تبقى رئاسة مجلس النواب محصورة بعضوية البرلمان".
وأشار إلى أن "الانقسامات داخل الإطار التنسيقي بشأن رئاسة الوزراء لم تحسم بعد، في ظل تقارب المواقف وعدم تغليب المصلحة الوطنية على حساب التنافس على السلطة".
دعوات رسمية
وعلى مستوى الخطاب الرسمي، دعا رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد، إلى تكاتف الجهود لتشكيل حكومة قوية تمثل جميع العراقيين وقادرة على ترسيخ الأمن والاستقرار ومحاربة الفساد.
وشدد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، محمد شياع السوداني، على ضرورة حسم الاستحقاقات الدستورية انطلاقًا من المسؤولية تجاه المصالح العليا للبلاد.
كما دعا رئيس البرلمان محمود المشهداني، إلى تجاوز الخلافات السياسية والإسراع في تشكيل الحكومة، مع الالتزام بالتوقيتات الدستورية، في حين أكد رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، أهمية منع تحول الاختلاف السياسي إلى انقسام يعطل عمل المؤسسات.
ومع اقتراب موعد الجلسة الأولى، تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه تفاهمات الأيام القليلة المقبلة، في ظل مسار سياسي مضغوط بالوقت ومحكوم بنصوص دستورية صارمة، تفرض على القوى الفاعلة الانتقال من مرحلة المشاورات إلى قرارات الحسم.