حراس "مصايد الموت" يكشفون تخاذل الحكومة.. أرواح الأبرياء معلقة في "سلسلة وجرس وعامل غلبان" بمزلقانات السكة الحديد.. والعمال: "مستنيين الكارثة في كل لحظة"

دماء تسيل بشكل متكرر على
الأرض، أشلاء متفرقة على القضبان، وسلسة حديدية خفيفة الوزن متهالكة طولها لا
يرتفع عن 50 سنتيمتر من الأرض، وإشارة معطلة، وجرس للتنبية لا أحد يلتفت اليه،
وحجرة صغيرة ليس بها أي خدمات يجلس بجوارها عامل لا حول له ولا قوة.
هذه هي
طبيعة حال مزلقانات السكة الحديد، أو "مصايد الموت" كما يصفها البعض،
والتي تشهد فوضى حقيقية في ظل رفض المسؤلين لتطويرها على مدى عقود، حيث إنها
ما زالت تعمل بطرق بدائية ولم يطرأ عليها أي تغير منذ سنين، وتهدد آلاف المواطنين
مهددين بالموت تحت عجلات القطار يوميا.

**مزلقانات
بدائية
"العربية نيوز"
أجرى جولة بعدد من المزلقانات، تبين أن جميعها تعمل بطريقة بدائية، حيث يقوم
العامل بغلق سلاسل حديدية صغيرة خفيفة الوزن لإيقاف المشاة والسيارات عند مرور
القطار، بالإضافة لوجود جرس للتنبية وإشارة مرور معطلة لا يوجد منها أي فائد.
وينظم
عامل المزلقان حركة المرور بالمزلقان خاصة عند مرور القطار، ويزاول مهام عمله في
غرفة ضيقة عبارة عن مترين في مترين وتفتقد إلي الآدمية ولا يوجد هناك دورة مياه
ولا غطاء يحميه من برد الشتاء، وكل ما يملكه تليفونا قديما جدا من السبعينيات يرن
كل عدة دقائق قبل مرور القطار لينبهه بالإسراع لإغلاق المزلقان بالسلاسل الحديدية
الصغيرة والمتهالكة التي لا يتعدى ارتفاعها الـ50 سنتيمتر والتي يسهل على
المواطنين تجاوزها مخالفين القوانين من أجل عبور المزلقان قبل قدوم القطار.
ويتعرض
معظم عمال السكة الحديد للعديد من المخاطر اليومية، بالإضافة إلى السلوك البشري
الخاطئ، فكثير من المواطنين والسائقين يصرون على عبور المزلقان على الرغم من
تحذيرهم من قدوم القطار، ما يعرض عامل المزلقان للسجن بتهمة الاهمال وعدم غلق
المزلقان خلال سير القطار في حين أنه لا توجد بوابات حديدية ولا حتى تلك السلاسل
المتهالكة في كثير من الزلقانات، مما يعكس مدى استخفاف الحكومة بحياة المواطنين.

مأساة العمال
في هذا
السياق، قال "مصطفى. م"، عامل بمزلقان عين شمس، إنه يجلس فى مكان غير
آدمي لا يوجد به أي مرافق، بجوار حجرة مساحتها مترين فى مترين، ويقوم بإشعال
النيران ببعض الحطب ويعد الشاي، مضيفا أنه يعمل في هذه المهنة منذ 8 سنوات وهى
مهنة بسيطة ولكن شاقة وبها كثير من المخاطر.
وأضاف:
"مهمتي تتلخص في تنظيم الحركة بالمزلقان ومنع السيارات والمشاة من المرور
أثناء قدوم القطار، حيث إنه عندما تضيئ الإشارة وتبدأ فى التنبيه تلقائيا وعندما
يكون القطار على بعد 2 كيلو متر من المزلقان، أتحرك لإغلاق السلسلة لمنع عبور
السيارات"، مؤكدا أنه يعمل 12 ساعة في الوردية الواحدة، ويأخذ 24 ساعة راحة،
وهذا بالطبع أمر مرهق جدا، فخلال ساعات العمل لا تغفل عيناه لدقيقة إلا وقعت كوارث.
وتابع:
"المزلقان منتظر كارثة بين لحظة والثانية، وأتوقع أن يقع حادث فى أى وقت، لكن
ماذا سأفعل ليس بيدي شيء ولا أستيطع منع الحوادث، كل ما أستطيع فعله قفل المزلقان
أول ما أسمع الجرس، ولا أعرف أى القطارات قادم إلا إذا تلقيت اتصالا".
ولفت
العامل إلى أنهم يتعرضون للعديد من المشاكل خلال العمل من جانب المواطنين وسلوكهم
الخاطئ، كما أنهم يتلقون العديد من الشتائم والمشادات الكلامية أحيانا، فالعديد من
المواطنين والسائقين لا يستجيبون للتعليمات ويصرون على عبور المزلقان واختراق
السلسلة الحديدية على الرغم من تحذيرهم من قدوم القطار.

ندفع ثمن تخاذل المسؤلين
وقال عامل
بمزلقان "عين شمس"، رفض ذكر اسمه خوفا من تعرضه للعقاب، إن هناك تعليمات
من المسئولين بعدم الحديث عن أي إهمال أو مساوئ للإعلام، مشيرا إلى أنه كان لديه
زميل أجرى حديثا مع صحفي ذات يوم فتعرض للعقاب ونقل للصعيد، بعد أن كان هنا بين أولاده.
وأضاف:
"هل هذا هو الحال في مصر حتى بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو، ألا تسمح الحكومة
لمن يعملون في المزلقانات بالمطالبة بحقوقهم، والشكوى من الأوضاع المتدنية
للمزلقانات التي تهدد أرواح المواطنين، ألا يفترض بها أن تتحرك وتطور هذه
المزلقانات وتوفر للعمال بها مكان آدمي للعيش فيه 12 ساعة باليوم، بدلا من أن
تعاقبهم".
واستكمل
العامل قائلا: إن هناك عدة عوامل تسبب في وقوع الحوادث أهمها تلك السلاسل الحديدية
التي يغلق بها المزلقان وغيرها من المعدات البدائية والمتهالكة الموجودة
بالمزلقان، وغرف البلوكات، والتي تتعرض كثيرا للعطل دون إجراء أي أعمال صيانة لها.
وأوضح أن
مرتبه الأساسي بدون حوافر 668 جنيها، وقد يصل بالحوافز لـ1200، ولديه ولدان أحدهما
بكلية طب والآخر في هندسة، ومرتبه لا يكفي لسد احتياجات أسرة من مأكل ومشرب
ومصاريف كلية، فأخذ قرضا من أحد البنوك بضمان المرتب ويقوم بسداد قسط كل شهر للبنك،
وذلك حتى يتمكن من العيش جيدا والإنفاق على تعليم أولاده.

الحكومة تتجاهل تطوير
المزلقانات
وأوضح أن
إهمال المسئولين بالحكومة وهيئة السكة الجديد تجاهلهم تجاه تطوير المزلقانات يعرض
حياة المواطنين للخطر، ويعرض عمال المزلقانات للسجن، مطالبا المسئولين بتطوير
المزلقانات، واقترح عمل بوابات إلكترونية حتي لا يستطيع أحد تجاوزها ولتقلل من
الحدواث التي تشهدها مزلقانات السكة الحديد، إضافة إلى توفير مكان آدمي لعمال
المزلقان وتوفير به الخدمات الأساسية.

إهدار المال العام على مدار 9سنوات
وفي
السياق ذاته، ذكر المتحدث الرسمي باسم وزارة النقل "أحمد إبراهيم"، أن
الإهمال أخطر على مصر من الإرهاب، لافتًا إلى أن حالة الفوضى التى تعيشها البلاد
لا بد أن تنتهي، مشيرا إلى أن مشكلة المزلقانات كبيرة جدًا، والحكومة كانت قد بدأت
في تطويرها منذ عام 2005 كدراسة فقط، موضحًا أن التطوير الفعلي بدأ عام 2007.
وقال
إبراهيم، في تصريحات صحفية، إنه طوال هذه المدة، لم يتم تطوير سوى 118 مزلقانًا
فقط على مدار التسع سنوات الماضية من أصل 1332 مزلقانًا، ويرجع ذلك إلى أن الدولة
كانت متعاقدة مع شركات هندية وألبانية وألمانية وإيطالية، لتطوير المزلقانات،
مؤكدًا أن هذه الشركات لم تقم بتطويرها على الشكل الأمثل، ما دفع وزير النقل
الحالي الدكتور سعد الجيوشي، لإنهاء التعاقدات معهم.

















