النقل النهري غارق في الفشل والإهمال.. وقرارات الحكومة حبيسة الأدراج.. وخبراء: الكارثة تكمن في تعدد الجهات المسئولة

"عبدالعظيم": أسلوب إدارة ملف النقل النهري به سلبيات كثيرة والرؤية تغيب عن المسئولين
"محمود علي": غياب التنسيق بين الجهات سيزيد من الكوارث في المستقبل ونحتاج استراتيجية عاجلة
مئات من الضحايا سنويًا يلقون حتفهم إثر حوادث متكررة نتيجة لغرق المعديات والعبارات النيلية في مناطق متفرقة من الدولة حتى أصبحت واقعًا مريرا اعتاد عليه المصريون دون تحرك يذكر للجهات المسئولة للحد من تجاوزات أصحاب تلك المعديات للبحث عن المال مقابل أرواح المواطنين، فكارثة معدية سنديون التابعة لمحافظة كفر الشيخ لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبقتها كارثة الوراق التي راح ضحيتها العشرات وكذلك غرق صنادل الفوسفات الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول ملف النقل النهري بأكمله.
الفوضى تجوب كل المحافظات
من حادثة سنديون إلى كارثة الوراق إلى غرق صنادل الفوسفات في المنيا وقنا، حدث ولا حرج عن مدى الإهمال في مركبات ومعديات النقل النهري، إذ تقدر أعداد المعديات المخالفة بالآلاف، والتي تنقل المواطنين من شاطئ إلى آخر، دون رقابة أو تحمل المسئولية، فهناك حافلات يقودها أطفال والبعض الآخر يقودها أشخاص دون تدريب أو ترخيص مزاولة المهنة بجانب اختفاء المعديات الحكومية بلا أي أسباب واضحة.
في العام السابق رصدت محافظة المنيا غرق 40 معدية كان أغلبها لنقل الأهالي إلى القرى التي لا وسيلة لها إلا النقل النهري، كما رصدت الإدارة المركزية لحماية وتطوير النيل غرق 12 عبارة بمحافظة الغربية، بالإضافة إلى غرق 10 عبارات بالبحيرة وتحرير 125 محضرًا لأطفال يقودون معديات نهرية لم تتجاوز أعمارهم 16 عامًا.
أما في محافظة القليوبية رصدت هيئة السلامة النهرية 122 عبَّارة غير مرخصين وعلى الرغم من القبض على أصحاب هذه العبارات غير المرخصة وتحرير محاضر لهم، إلَّا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في العمل، بالإضافة إلى محافظة القاهرة التي يعد وجود العبارات غير المرخصة والتي يقودها أطفال أمر اعتيادي، فالنقل النهري يشهد إهمالا وفشلا في إدارته منذ سنوات عديدة.
وهذه الحوادث لن تكون الأخيرة فمع صباح كل يوم ننتظر سماع أخبار عن كارثة أخرى في النقل النهري، ما دامت أسباب الفشل موجودة بينما يرى الخبراء أن القاسم المشترك الأكبر في الأسباب المؤدية إلى حوادث النقل النهري تتمثل بالدرجة الأولى في جهل المسئولين عن الملف وعدم درايتهم بأصول المهنة وعدم قدرتهم على إدارة الأزمات وإدارة الحوادث، فمع كل كارثة تخرج الحكومة للتحدث عن إصصلاحات كثيرة إلا أن هذه القرارات مازالت حبيثة الأدراج، والحوادث المتتالية خير دليل على ذلك.
قرارات الحكومة حبر على ورق
تعتبر الهيئة العامة للنقل النهري ومركز البحوث والاستشارات لقطاع النقل البحري هما المسؤلان عن ملف النقل النهرى في الدولة ووضع الخطط الاستراتيجيات اللازمة للنهوض بهذا القطاع، ووضع القوانين اللازمة من أجل السيطرة على المعديات والعبارات النهرية، إضافة إلى تدريب العاملين بالقطاع.
وبعد كارثة الوراق التي حدثت في العام الماضي، قرر المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء في هذا التوقيت ضبط منظومة النقل النهري عن طريق وضع خطة متكالة للنهوض بها القطاع شارك في هذه الخطة وزارة النقل والهيئات المختصة بالتعاون مع الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وهدفت هذه الاستراتيجية إلى الحد من الحوادث التي تحدث في النقل النهري ومراقبة أماكن نقل الركاب، والتأكيد على حصول المعديات والعبارات على تراخيص الملاحة المختلفة، بالإضافة إلى التنسيق مع شرطة البيئة والمسطحات المائية والمحافظين ووضع خطط شهرية من أجل الحد من الحوادث والكوارث التي تحدث في النقل النهري.
تعدد الجهات المسؤلة يزيد من الإهمال والفشل
وأكد الدكتور مجدى عبد العظيم الخبير الهندسي، أن حدوث كوارث في النقل النهرى يرجع لأسلوب الإدارة الذي يتبعه المسئولون مع العديد من السلبيات والإهمال، فبعد كارثة الوراق انتفضت الحكومة وخرجت بمجموعة من القرارات التي استبشر بها الجميع خيرًا، إلا أنه بعد أيام قليلة حدثت كارثة صندل الفوسفات التي تكررت أكثر من مرة بجانب حوادث كثيرة في باقي المحافظات حتى جاءت الحادثة الأخيرة بكفر الشيخ.
وأشار عبد العظيم أن مسئولية النقل النهري تقعه تحت ثلاث جهات هما وزارة النقل في المقام الأول ويتعاون معها إدارة حماية النيل، وإدارة المسطحات المائية، إلا أنه مع وجود هذه الجهات تنعدم السيطرة الحقيقية على القطاع، لافتًا إلى أن السبب الرئيسي في كثر الحوادث عدم وجود جهاز واضح يشرف على المنظمة.
وضع استراتيجية لتطوير منظومة النقل النهري
وأوضح الدكتور محمود على عميد كلية النقل الدولي بالأكاديمية العربية للنقل البحري، أن معظم الحوادث التي تحدث في النقل النهرى نتيجة غياب التنسيق بين الجهات المسئولة عن الملاحة النيلية، بالإضافة إلى غياب الإشراف على أصحاب المراكب والمعديات التي تسير في النيل، فمعظمهم لا يعرف أهمية الملاحة النيلية كما أنهم يخالفون القوانين في السير في الليل وتحميل بضائع أو ركاب أزيد من الحمولة المصرح بها وهذا يعد مخالفة للقانون أيضًا من أجل مكاسب مالية فقط على حساب أرواح المواطنين.
تفعيل القوانين بداية الإصلاح
وقال الدكتور نبيل سالم الخبير القانوني بجامعة عين شمس، إن القوانين المنظمة للملاحة الداخلية الخاصة بنهر النيل تنص على عدم سير مركب في نهر النيل بغرض الملاحة إلا بترخيص يُعطى للمالك طبقًا للقانون، لكن يضرب بذلك عرض الحائط، إلى جانب غياب الدور الرقابي لكل الأجهزة المعنية بالسيطرة على النقل النهري.
وأضاف الخبير القانوني، أن أول الخطوات من أجل إصلاح منظومة النقل النهري تبدأ بوضع عقوبات رادعة لكل المخالفين ومنع وجود أي مركبة نهرية بلا ترخيص، فلا يعقل أن تكون عقوبة المعديات غير المرخصة 100 جنيه فقط، بالإضافة إلى أن عقوبة قائد المعدية أو الباخرة التي صدر عنها أي حادثة تسببت في موت مواطنون لا تتعدى 7 سنوات وفقا للقانون.